اليهود في لبنان: لغز اختفاء الطائفة ورحلة البحث عنهم.. عشرات يعيشون في الخفاء (3)

خاص ON | عزت ابو علي | Wednesday, January 3, 2024 10:17:00 AM

عزت ابو علي – LebanonOn

انحسرت الطائفة اليهودية في لبنان بفعل العوامل الداخلية والتبعات الاقليمية، بالإضافة إلى المخططات الدولية الداعمة لفكرة دولة "إسرائيل"، ودور الوكالة اليهودية ولاحقاً حكومة تل أبيب التي شجعتهم على الهجرة حتى خلا لبنان منهم تقريباً.

هذه الطائفة التي انقرضت تعود إلى أصل مزراحي أي مشرقي، وشهدت أعدادهم تقلبات عدة بسبب الأوضاع في المنطقة، فبعدما ناهز عددههم 25 ألفاً قبل قيام دولة "إسرائيل" وحتى في الفترة التي تلتها، راح هذا العدد يتضاءل تباعاً إلى أن بلغ حالياً حوالي 5 آلاف، ولكن لا يعيش منهم بصورة دائمة في لبنان إلا نحو 300 شخص، أما البقية فيتوزعون على بلاد الاغتراب.

كغيرهم من باقي الطوائف اللبنانية لا تزال وزارة الداخلية اللبنانية تُدرِج في لوائح الشطب المخصَّصة للناخبين أسماء اليهود المُسجلين لديها ضمن دوائرهم الانتخابية وبشكل خاص في العاصمة بيروت، وضمَّت آخر لوائح شطب أعدتها الوزارة 3881 ناخباً تحت خانة الطائفة الاسرائيلية، وهي التسمية الرسمية لأتباع الطائفة اليهودية في لبنان، وشهدت الانتخابات الأخيرة اقتراع 3 منهم، في دائرة بيروت الأولى بحسب ما ورد في لوائح مخاتير منطقة الأشرفية، من بينهم أحد المصرفيين.

يشكِّل يهود بيروت النسبة الأكبر من أفراد الطائفة الموزعين بين منطقة الأشرفية والدورة والسبتية وجديدة المتن ورأس بيروت سابقاً "منطقة ميناء الحصن"، يصل عددهم الإجمالي إلى نحو 200 فرد (تحت خانة إسرائيلي)، تحوَّل العدد المتبقي منهم إما للديانة المسيحية أو الإسلامية هرباً من لفت أنظار الناس إليهم ولكنهم لا يزالون يمارسون شعائرهم سراً، وبعضهم انخرط في منظمات دينية ناشطة في لبنان والمنطقة على غرار "شهود يهوه" أو جماعة "السبتيين" الذين ينتشرون بأعداد محدودة في منطقة الجديدة والسبتية شمال شرق العاصمة بيروت.

ويتوزع اليهود في لبنان على عائلات "مزراحي، سرور، بصل، بغدادي، كشك، ساسون، الراعي، سنونو، اللاتي، شمس، آرزاي، كوهين، ليفي، بوابة، روفاييل، جاموس، خضرا، أنزروح وتركية، ويعمل من تبقى منهم في المصارف، الصياغة والخياطة، وقد برز منهم الدكتور حسني شمس الذي لقَّبه أبناء بيروت بـ "أبو الفقراء" كونه كان يعالج المحتاجين والبسطاء من كافة الطوائف مجاناً نقلاً عن أبناء المنطقة حيث كان يقطن في الأشرفية شرقي بيروت.

ويُعتبر وادي أبو جميل في  بيروت معقلهم الأساسي حيث يقطن فيه العشرات منهم لغاية اليوم لكنهم يفضلون عدم الظهور ولا يمارسون تقاليدهم الدينية وعبادتهم نتيجة غياب الحاخامات.

ومنطقة وادي أبو جميل انتشر فيها تاريخياً غالبية يهود لبنان، وكانت المنطقة تُعرف سابقاً بوادي اليهود ثم وادي "أبو جميل"، نسبةً إلى رجل ميسور جداً منهم يُدعى إيزاك مزراحي ويُلقَّب بـ "أبو جميل" وكان يملك أكثر العقارات في هذه المنطقة، التي اكتسبت اسمه.

يمتلك اليهود لغاية الآن عقارات في مدينة بيروت فهم في الاساس كانوا من كبار مُلاك متاجر وسط بيروت،  ولهم مقبرة بالقرب من منطقة السوديكو، وكان لهم في منطقة وادي أبو جميل في بيروت مدرستان واحدة دينية وتدعى المدرسة "التلمودية" وأخرى ثانوية عالمية تدعى "الأليانس" وقد جرى ترميمها فيما تم تحويل الأولى إلى مركز تجاري وسياحي، بالإضافة إلى مركز ديني رُمِّمَ مؤخراً وهو كنيس ابراهام ماغن.

وفي مدينة صيدا في جنوب لبنان يبلغ عدد اليهود التي وردت أسماؤهم في لوائح الشطب "جداول الناخبين" في المدينة 225 شخصاً لكنهم غير موجودين فعلياً فيها.

ورغم ذلك بقيت معظم أملاكهم مسجلة بأسمائهم في الدوائر العقارية خاصة بعض المحال في أسواق صيدا القديمة لكنها جرت مصادرتها من أفراد أما باقي المحال فمقفلة لغاية اليوم، فيما أوكل بعضهم مهمة متابعة وحماية الأملاك إلى محامين يديرونها ويعملون أيضاً على جباية عائداتها من المستأجرين.

ويمتلك اليهود في صيدا كنيساً لكن تسكنه عائلة فلسطينية نازحة، والكنيس موجود داخل حارة اليهود في صيدا القديمة، كما أنَّ لهم مقبرة موجودة على الجهة البحرية للمدينة بالقرب من مكب النفايات السابق.

وفي بلدة دير القمر الشوفية، يمتلك اليهود لغاية اليوم عقاراً واحداً وهو كناية عن كنيس صغير مقفل في ساحة البلدة، وهو ما تبقى لديهم بعد قيامهم ببيع جميع ممتلكاتهم في المنطقة منذ العام 1965 قبل أن يهاجروا إلى أميركا ويرحل قسم كبير منهم إلى "إسرائيل"، ورغم ذلك ورد في لوائح الشطب أي سجلات الناخبين أسماء خمسة أفراد من الذكور من عائلة "سنونو" اليهودية وهم إلياهو وأديب وسليم وماركو ونسيم سنونو، لكنهم من غير المُقيمين فيها.

وفي بلدة بحمدون المحطة في قضاء عاليه في جبل لبنان والتي كانت تجمع عدداً كبيراً من اليهود، يوجد كنيس كبير، إلا أنَّه مهجور منذ العام 1975، تاريخ الهجرة الكبرى للجالية اليهودية من لبنان، وعلى عكس بيروت وصيدا ودير القمر ليس لديهم أي حضور فعلي أو مُدَوَّن في دائرة نفوس المنطقة، التي يقول مخاتيرها أن الشخص اليهودي الأخير قد غادرها في العام 1978 وهو رجل مسن ليست هناك أية معلومات حوله خاصة فيما يتعلَّق بمكان هجرته وهل توفي أو لا يزال على قيد الحياة.

في الخارج حافظ بعض اليهود اللبنانيين على روابطهم فيما بينهم فهم أسَّسوا تجمع ماغين أبراهام في مونتريال في كندا، وتجمع اللبنانيين السفارديم في نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، أمَّا تجمعهم الأكبر فهو في العاصمة الفرنسية باريس وتحديداً في الحي اليهودي في الدائرة 16 حيث تقع السفارة اللبنانية التي نظَّمت لهم قبل أكثر من عامين لقاءً وُصِفَ بالعائلي وحضره حوالي الـ 50 يهودياً من أصل لبناني يحملون الجنسية الفرنسية من 4 أجيال مختلفة، وولَّد ذلك جدلية كبيرة يومها في لبنان عن توقيت هذا اللقاء.

في ختام سلسلة يهود لبنان ثمّة أسئلة عدة تُطرَح وتحمل وجهات نظر مختلفة عنهم:

هل كان اليهود ليهاجروا لو أنهم تمسكوا بأرضهم وجاهروا بتغليب الانتماء الوطني اللبناني على ترك بلدهم الأم وارتباط عدد كبير منهم  بما يُسمى دولة "إسرائيل"؟

هل اقنعهم أحد أن اتهامات بالعمالة والتصفيات كانت ستطالهم حتماً تبعاً لأزمة فلسطين؟

هل ابتعادهم عن الأضواء لحماية أنفسهم هو بسبب المفهوم الشائع بأن كل يهودي هو عميل لـ "إسرائيل"؟

لمتابعة الجزء الأول الضغط على الرابط التالي: 

https://www.lebanonon.com/news/229198

لمتابعة الجزء الثاني الضغط على الرابط التالي: 

https://www.lebanonon.com/news/229433

 

| تابعوا آخر أخبار "Lebanon On" عبر Google News اضغط هنا

| لمتابعة آخر الأخبار والتطورات اشتركوا بقناتنا عبر واتساب اضغط هنا