يهود لبنان: حكاية الطائفة المُتَخَفِّيَة الذي يعيش أفرادها خلف الستار الأسود (1)

خاص ON | عزت ابو علي | Thursday, December 28, 2023 10:17:00 PM


عزت ابو علي - LebanonOn

يوم الثلاثاء الماضي تم الإعلان عن وفاة اسحق أرازي (80 عاماً) الذي كان يتولى منصب رئيس الطائفة اليهودية في لبنان، وتمَّ دفنه في المقبرة اليهودية في العاصمة بيروت.

خبر وفاة أرازي أعاد إلى الأذهان قصة هذه الطائفة الذي يعترف الدستور اللبناني بوجودها في لبنان لغاية الآن، فكيف وُجد اليهود في لبنان تاريخياً؟ 

في العام 1920 أعلنت سلطات الانتداب الفرنسي دولة لبنان الكبير، ومع هذا الإعلان بات لبنان دولةً قائمة بحد ذاتها في ظل حدودها الحالية بعد أن خضع لحكم العثمانيين لأكثر من 4 قرون من الزمن. 

في ظل هذه الدولة عاش اللبنانيون بمختلف طوائفهم (المسيحيون، المسلمون، الدروز واليهود)، وحازت هذه الطوائف في ظل الدولة الجديدة على حماية كفلها القانون اللبناني. 

عرفت الطائفة اليهودية في لبنان ذروة ازدهارها في العشرينيات من القرن الماضي، كما حازت كبقية الطوائف على العديد من الامتيازات، باستثناء الامتيازات السياسية، إذ لم يُخصص مقعد نيابي لهم بسبب قلة أعدادهم في قوانين الانتخابات، بعد أن تمَّ الاعتراف بهم من قِبَلِ السلطنة العثمانية في العام 1911 والتي قامت لاحقاً بإصدار فرمان بتشريع المجلس اليهودي في العام 1913 على غرار باقي الطوائف في ذلك الوقت. 

تألَّف مجلس اليهود من أعضاء منتخبين من قبل أبناء الطائفة، وضمَّ المجلس الرئيس ونائبه وأمين الصندوق وأعضاء يمثلون اليهود في مناطق تواجدهم، وكان تمويل المجلس يأتي من مردود الكنيس في بيروت، عاليه، بحمدون ودير القمر، بالإضافة إلى مساهمات أبناء الطائفة والرسوم الذي يتقاضاها من معاملات الأحوال الشخصية وفقاً لتنظيم قانون الأحوال الشخصية الذي يسري على كل الطوائف في لبنان والذي صدر مطلع الخمسينيات من القرن الماضي والذي نصَّ على جعل تنظيم شؤون الطوائف بيد مجلس الطائفة بحيث لم يعد حاخامهم الأكبر صاحب السلطة المُطلَقَة باتخاذ القرارات.       

في العام 1922 منح قانون انتخاب المجلس التمثيلي الأول الذي وضعه حاكم لبنان الكبير الكومندان الفرنسي ترابو، اليهود، حق انتخاب مندوبين لانتخاب أعضاء المجلس النيابي، وهو ما أدى إلى انتخاب هنري فارحي عن منطقة المرفأ والبير لزبونه وإدمون ساسون عن منطقة ميناء الحصن حيث كان يتواجد اليهود آنذاك. 

وخلال انتخابات المجلس التمثيلي الثاني في العام 1925 تمَّ انتخاب ابراهيم سلمون عن المرفأ، وإبراهيم حكيم وهارون فارحي عن ميناء الحصن، وبعد إقرار الدستور اللبناني في العام 1927 تم انتخاب مراد خابيه عن المرفأ وزاد عدد المندوبين عن ميناء الحصن إلى 3 فانتُخِبَ توفيق لينيادو وكامل حلواني ويوسف عطية تمهيداً لانتخاب أول مجلس نواب في ظل الدستور الجديد. 

خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي طالبت الطائفة اليهودية ممثلة برئيسها جوزيف فارحي بمقعد نيابي من الرئيس اميل إده الذي رفع الطلب للمفوض السامي الفرنسي دو مارتيل الذي رفض الأمر، وأبقى على تمثيل الأقليات بمجموعة ينتمي إليها اليهود واللاتين والآشوريون نظراً لقلة عددهم، وبقي هذا التمثيل طيلة حقبة الانتداب الفرنسي باستثناء الفترة الممتدة بين أعوام 1934 و 1937 عندما تم تخفيض أعداد النواب إلى 25 نائباً فقط.

في العام 1948 قامت العصابات الصهيونية وعلى رأسها الهاغاناه، الأرغون وشتيرن بارتكاب المجازر بحق أبناء فلسطين وتهجيرهم من أرضهم وإقامة دولتهم المزعومة التي تُسمى "إسرائيل" على أراضٍ فلسطينية عربية سُلِبَت بقوة السلاح وبتغطية غربية وعلى رأسها بريطانية للأعمال الوحشية لهذه العصابات التي استمالت الغرب فتمَّ الاعتراف بهذه الدولة المزعومة في الأمم المتحدة لتنضم إليها في 11 أيار من العام 1949.

مجازر اليهود في فلسطين جاءت بالتزامن مع أعمال شغب قام بها أفراد الحركة الصهيونية في العديد من دول العالم العربي لتوليد العداوة بين يهود هذه الدول وأقرانهم في البلاد حتى قام أفراد هذه الحركة بالاعتداء على اليهود أنفسهم في البلاد العربية بهدف إجبارهم على الهجرة إلى كيانهم المزعوم في فلسطين المحتلة. 

ومع نجاح أعمال الشغب في دول عدة كمصر والمغرب واليمن وغيرها، فشل هذا المشروع في لبنان فحتى ذلك الوقت كان يهود لبنان يعتبرون أنفسهم من مواطني لبنان ولا علاقة لهم بكيان الاحتلال وهو ما أدى على عكس الدول العربية إلى تنامي أعدادهم مع هجرة العديد من اليهود من المعادين للحركة الصهيونية إلى لبنان بدلاً من فلسطين المحتلة خلال العام 1948 وما تلاه. 

رغم ذلك كان عدد اليهود من لبنان والذين هاجروا إلى فلسطين المحتلة ضئيلاً جداً، بسبب الازدهار الاقتصادي المتنامي لأبنائها في لبنان لانخراطهم في عالم المال والأعمال والصحافة حتى أصدر إلياهو مَنّ جريدة أسماها "السلام"، وتولى توفيق مزراحي نشر مجلة باللغة الفرنسية أطلق عليها اسم "تجارة المشرق" Le commerce du levant. 

حتى ذلك الزمان كان اليهود في لبنان يعيشون حياةً طبيعية، لكن النكسة في العام 1967 عندما احتل العدو الإسرائيلي صحراء سيناء في مصر والجولان العربي في سوريا والضفة الغربية من الأردن وبعض الأراضي جنوبي لبنان، شكَّلت عاملاً لبدء هجرة اليهود الذين اختاروا أوروبا والولايات المتحدة الأميركية والبرازيل مواطن جديدة لهم فهم بغالبيتهم عاشوا الرخاء الاقتصادي في ذلك الوقت ولم يُشكِّل كيان الاحتلال مصدر رزق لهم كغيرهم ممن جاء إليه سعياً لرغد حياة أمنته الحركة الصهيونية بغية زيادة أعدادهم في دولتهم المزعومة "إسرائيل". 

ومع انطلاق الحرب اللبنانية في العام 1975 هاجر اليهود كغيرهم من باقي أبناء الطوائف اللبنانية البلاد إلى المهجر واختاروا مجدداً بأكثريتهم أوروبا والولايات المتحدة الأميركية والبرازيل مسقراً لهم، وشهد العام 1978 مغادرة آخر حاخام أكبر لهم في لبنان وهو شحود شرام. 

بنى اليهود في لبنان كنيساً لهم في عاليه في العام 1890 ثم بحمدون عام 1915 وسبق ذلك بناء كنيس دير القمر في القرن الـ 17، أما كنيسهم الأشهر في لبنان فبُنِيَ في منطقة وادي أبو جميل في بيروت في العام 1920 بتمويل من أحد أبناء هذه الطائفة من عائلة "ساسون" لكن أعمال البناء توقفت لأسباب مالية وتم استئناف الأعمال في العام 1925 وبنوا كنيسهم الشهير الذي يُعرَفُ بكنيس "ماغين أبراهام". 

وفضلاً عن بنائهم لأماكنهم الدينية أسَّس اليهود جمعيات عدة من بينها "ميتان با" و "قطرة الحليب" وجمعيات تُعنى بتزويج أبناء الطائفة بالإضافة إلى جمعيات شبابية وأندية كان على رأسها نادي "مكابي" الذي صدر القرار بحظره بعد سنوات قليلة على النكبة ومستوصفات مجانية، ومدرسة أطلقوا عليها اسم "التلمود توراة"، وجاء ذلك بالتوازي مع إصدارهم لمنشورات دورية ومنها "الصوت الإسرائيلي" في العام 1936 والمنتدى التي صدرت سنة 1941. 

يتبع... 

    

| تابعوا آخر أخبار "Lebanon On" عبر Google News اضغط هنا

| لمتابعة آخر الأخبار والتطورات اشتركوا بقناتنا عبر واتساب اضغط هنا