رأساً على عقب إنقلب مشهد التحالفات الإنتخابية في دائرة عكار الإنتخابية (7 مقاعد نيابية) بعد إنتفاضة "17 تشرين" وما تلاها من تغييرات في المشهد السياسي اللبناني منذ خريف العام 2019 مروراً بإنفجار مرفأ بيروت وصولاً حتى اليوم.
فعلى صعيد تيار المستقبل الذي كان صاحب القوة التجييرية الأكبر في الشارع السني، يبدو أن طلاقه السياسي مع القوات اللبنانية أصبح أمراً محسوماً، وبالتالي سيتخلى عن تحالفه معها وعن مرشحها النائب وهبه قاطيشا، مستبدلاً إياه بتحالف مع تيار المرده وبمرشح آل فرنجية في عكار كريم الراسي (أرثوذوكسي). بين ما هو محسوم على اللائحة الرزقاء حتى اليوم، تتصدر إعادة ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب هادي حبيش (ماروني) وللنائب وليد البعريني (سُنّي). وضمن خانة الأمور غير المحسومة تأتي إعادة ترشيح النائبين طارق المرعبي (سني) ومحمد سليمان (سني) إذ يبدو أن الحريري يميل الى إستبدال سليمان كما يميل المرعبي الى عدم الترشح ثانية مع "المستقبل". وحتى لو كان التحالف مع المرده (نالت عام ٢٠١٨ حوالى 3000 صوت) لا يعوض لتيار المستقبل خسارة التحالف مع القوات (نالت عام ٢٠١٨ حوالى 8000 صوت)، يراهن الحريري على تخلصه من التسوية الرئاسية مع التيار الوطني الحر والتي لم يكن جمهوره راضياً عنها، وعلى إقصائه من رئاسة الحكومة من قبل التيار وحلفائه لاعادة شد عصب جمهوره العكاري. كل ذلك من دون أن ننسى كيف سيكون وضع تيار المستقبل في الدائرة في حال حسم شقيق الحريري بهاء ترشيح لائحة في عكار ودعمها بكل ما لديه من إمكانات بوجه لائحة "المستقبل".
في موازاة ذلك لن تقف القوات اللبنانية متفرجة في الدائرة، وستحاول تشكيل لائحة للحفاظ في الحد الأدنى على مقعدها النيابي الوحيد، وفي هذا السياق جاءت زيارة اللواء أشرف ريفي (حصلت اللائحة التي دعمها في عكار عام 2018 على 4713 صوت) لمعراب في الأيام القليلة الماضية. وعلى الموجة الشعبية التي حظي بها رئيسها سمير جعجع بعد أحداث الطيونة، لا سيما في الشارع السني، تراهن القوات لتحقيق خرق لن يكون سهلاً خصوصاً أن الحاصل الإنتخابي الذي سجل في عكار عام 2018 وصل الى 19000 صوت بينما لم يحصل قاطيشا في حينها على أكثر من 7900 صوت تفضيلي.
وعلى عكس ما يسوّق له البعض عن أن تركيز التيار الوطني الحر إنتخابياً هو على دوائر جبل لبنان وبيروت الأولى وجزين – صيدا والشمال الثالثة (البترون – الكورة - زغرتا وبشري) يصرّ رئيسه النائب جبران باسيل على الحفاظ على نتيجته التي لم تكن متوقعة في عكار عام 2018 حيث حصلت اللائحة التي شكلها مع العلويين على 34430 صوتاً أي ما يوازي مقعدين (النائب الأرثوذوكسي أسعد ضرغام والنائب العلوي مصطفى حسين)، وفي هذا السياق، تكشف المعلومات أن قيادة التيار تتجه الى إعادة ترشيح النائب أسعد ضرغام وجيمي جبور(ماروني) وإذا رفض الأخير قد تلجأ الى إستبداله بسيدة مارونية معروفة من المنطقة. وكي يتأكد إصرار التيار على تحقيق نتيجة جيدة في الدائرة، هناك حديث لضم الحزب السوري القومي الإجتماعي (قوته حوالى ٣٠٠٠ صوت) الى اللائحة ويبدو أن الدفة القومية تميل الى ترشيح اميل عبود (ارثوذوكسي من منيارة) على لائحة التيار، بينما لم يحسم بعد في الداخل السوري إسم المرشح العلوي الذي سيترشح على اللائحة البرتقالية وإذا كان النائب حسين أم غيره. من عناصر القوة ستتسلح بها هذه اللائحة، هو دخول حزب الله الأخير الى الساحة العكارية، أكان عبر التعويضات المالية التي قدمها عبر مشايخ من الطائفة السنية لأهالي ضحايا وجرحى إنفجار التليل، أم من خلال صهاريج المازوت الإيراني التي تصول وتجول في القرى العكارية منذ أن بدأ الحزب بإستيراد المادة الى لبنان.
تبقى لائحة المجتمع المدني التي لم تتضح ملامحها بعد، وسط حديث عن مساعي لجمع كل المجموعات في لائحة واحدة، ما يعني أننا قد نشهد مرة أخرى إعادة ترشيح العميد جورج نادر (نالت لائحته عام ٢٠١٨ حوالى ٢٠٠٠ صوت) عن العسكريين المتقاعدين مع عدد من مرشحي المجموعات اليسارية والمدنية الأخرى، وفي هذا السياق، لا يمكن أن ننسى إحتمال ترشح نجاد فارس نجل نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس وما حكي عن ترؤسه لائحة المجتمع المدني الأمر الذي قد يؤمن للائحة المجتمع المدني دعماً قوياً نظراً لتاريخ فارس الخدماتي في عكار، ولما يملكه من إمكانات مالية لخوض المعركة. أضف الى ذلك تشير الإحصاءات الأخيرة للمجتمع المدني في عكار الى تقدم ملموس بالأرقام لأي حالة لا تنضوي ضمن أي تحالف حزبي من أحزاب السلطة.
خلط الأوراق السياسية والتحالفية في عكار ينذر بمعركة قوية في دائرة، تصح فيها صفات الحرمان والإهمال والتقصير والمسؤول عن ذلك طبعاً هو الطبقة السياسية نفسها التي لطالما تعاطت مع الشعب العكاري كأرقام في صناديق الإقتراع وفي باصات التظاهرات الإحتجاجية والمهرجانات الحزبية.