كثرت التكهنات والتسريبات حول الموقف الفرنسي من تكليف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة اللبنانية بعدما تقلّب الشعب اللبناني على جمر المناكفات عندما تولى هذه المهمة الرئيس سعد الحريري منذ تشرين الاول 2020 .
اعتبر الخبير الجيوسياسي الدكتور خطار بو دياب في حديث لموقع LebanonOn ان همّ فرنسا كان العمل على الخروج من المأزق السياسي على ابواب المؤتمر الدولي الذي سينعقد في 4 آب لدعم لبنان، لافتاَ الى انها تخلّت عن المضمون السياسي لمبادرتها وأجرت العديد من التعديلات المتاحة للتمكن من تشكيل الحكومة في.
واعتبر بو دياب ان "التحليل الفرنسي الذي لم يتغير يشدد على ضرورة تشكيل حكومة "مهمة" لبدء ورشة الانقاذ".
وبالفعل اضاف بو دياب: "ما يؤشر على التعامل المرن للفرنسيين هو ترحيبهم بداية بتكليف الدكتور مصطفى اديب ولاحقاَ الرئيس سعد الحريري واليوم نجيب ميقاتي الذي يختلف التعاطي معه بسبب العلاقة الوطيدة بهم، كما وسبق له ان تعاون معهم في فترة ولاية الرئيس جاك شيراك عندما رأس حكومة الانتخابات عام 2005 وكان الشاهد على التحالف الرباعي الذي تخطّى الانقسامات بين فريقي 14 و8 آذار.
انطلاقاً مما ورد، يرى بو دياب ان لميقاتي مصالح اقتصادية في فرنسا ومن هنا يأتي الترحيب الفرنسي، رغم ان الحكومة التي قد تؤلف لن تشكل بالشروط الفرنسية التي طرحت في بداية المبادرة، ولكنهم يحاولون اسقاط الذرائع المتبادلة التي كانت مسيطرة خلال تكليف الحريري.
وقال بو دياب: "رغم شبكة العلاقات التي يمتلكها ميقاتي ومنها مع بريطانيا الا ان هذا لا يعني ان الضمانات الدولية التي تحدّث عنها هي صحيحة لانها مرتبطة بقدرة اللبنانيين على مساعدة انفسهم وعلى بدء مشروع الانقاذ، إذ انّ لا احد على استعداد للمساعدة ان لم يكن هناك برنامج انقاذي واضح يمكّنهم من بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وبمعنى آخر "رش الماء على اللبنانيين".
اما بالنسبة لموقف الولايات المتحدة لفت بو دياب الى انه نقل وروّج ان ملك الاردن عبد الله الثاني خلال لقائه الرئيس الاميركي جو بايدن طرح اسم ميقاتي الذي تربطه به صداقة شخصية، ولكن السؤال الذي يطرح: "هل هذا الامر وصل الى حد التفكير ان الولايات المتحدة وفرنسا والدول الاخرى تتقدم اهتماماتهم بلبنان على باقي الدول؟"، بالطبع لا وهو فقط قد يكون ضمن سلم الاولويات الفرنسية عاطفيا.
اما الدول الاخرى فهي تنظر اليه من ضمن سلّة اقليمية اكبر، لذا فان التعويل سيكون على البعد العربي لاسيما من قبل المملكة العربية السعودية التي لم تبد اية ردة فعل لناحية التكليف، فهي لم ترحب ولم ترفض، والسبب وفق الدكتور دياب انه رغم الجهود الاميركية والفرنسية والفاتيكانية كان للسعودية جوابا واضحا بانها منذ باريس "1" وحتى اليوم قدمت ما قدمته والتزمت بما التزمت به، ولكن من الان وصاعدا، قبل بناء دولة المؤسسة، بغض النظر عن من سيتولى الصلاحيات وقبل البدء بتنفيذ الاصلاح الفعلي والابتعاد عن المحور الايراني وبروز خط سيادي واصلاحي حازم، ليس هناك من استعداد للتعاطي في الملف اللبناني.
ويتابع بو دياب: "رغم الجهود التي بذلت لتكليف ميقاتي الا ان وصوله الى التأليف سيشهد مساراَ صعباَ لان العوامل التي منعت الحريري والتي عرقلت الوضع منذ آب الفائت مازالت قائمة، ومنها انتظار البعض مفاوضات فيينا، والبعض الاخر يريد ربطها بمعركة رئاسة الجمهورية القادمة، في حين ان افرقاء آخرين يربطونها بشبكة مصالحهم الخاصة".
واعتبر بو دياب من خلال ما اورده ان ليس هناك ولاء للوطن وتقييم انقاذي فعلي بل ازمة بنيوية يريد البعض من خلالها الوصول الى اعادة انتاج السلطة بما يلائم مصالحهم. من هنا نرى ان المأزق سيكون كبيراَ اذا لم يكن هناك رعاية دولية مباشرة للوضع اللبناني، لان المشكلة تكمن في تركيز المبادرة الفرنسية على ان المشكلة اللبنانية هي محض داخلية واستبعاد العوامل الخارجية.
واضاف بو دياب هناك معلومات تحدثت عن موقف لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف خلال زيارته لموسكو في ايلول الفائت، والذي عبّر فيه عن رفض بلاده دعم المبادرة الفرنسية، وهذا الامر يكشف السبب الفعلي لما هو عليه الحال في لبنان الآن، وان لم يتم تحرير لبنان من كونه رهينة في لعبة المحاور فسيكون هناك صعوبة ايجاد حلول وبدء ورشة الاصلاح.