الوضع في لبنان يتدهور شيئا فشيئا. لم يعد فيروس كورونا وحده مصدر تهديد لصحة اللبنانيين؛ اذ انّ تعرفة المستشفيات ترتفع مع كلّ إرتفاع للدولار في السوق السوداء. أسعار الأدوية "بتكوي". المختبرات تعاني من نقص شديد في الفحوص المخبرية: ولا Scan ولا IRM. امّا في قطاع المستلزمات الطبّية فالأزمة الحادّة لا تزال على حالها. كل هذه الفوضى تشكّل اليوم كارثة حقيقية أهلكت القطاع الصحي ومعه المواطنين الذين أصبحت حياتهم معرّضة للخطر في أيّ لحظة مع بلوغ الخطّ الأحمر.
يُخبر المواطن جاد حبيقة موقع LebanonOn أنّه بقي 3 أيام يبحث عن مختبر في محافظة جبل لبنان من أجل إجراء سكانر للبنكرياس، حتى وجد أحد المختبرات في منطقة الزلقا بكلفة وصلت الى مليون ليرة لبنانية. هذا الإرتفاع الكبير في أسعار الفحوص المخبرية يدفع بالمستشفيات والمختبرات الى اعتماد التقنين القاسي لتتمكّن من الاستمرار في الحالات المستعصية، فيما لجأ بعضها الى رفع التسعيرة لتتضمن استمراريتها في وجه الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار.
هذا الواقع يدفع اليوم العديد من الأطباء في بعض الأحيان (في الحالات غير العاجلة) الى وصف أدوية للمرضى الذين يفضّلون عدم إجراء الفحوص المطلوبة بسبب سعرها الباهظ. فاتورة هذه الفحوص قد يتمّ مضاعفتها 10 مرات او 20 مرّة تبعا لسعر صرف الدولار وفق ما سبق وأشارت اليه رئيسة نقابة أصحاب المختبرات د. ميرنا حداد عبر موقعنا ضمن فقرة ZOOM ON، ما يهدّد حتى إمكانية إجراء فحوص الدم الدورية.
منازل اللبنانيين بديلا عن المستشفيات...
ومن أوجه الأزمة ايضا، قصة السيدة نورما التي حوّلت منزلها لمستشفى من أجل نقل أكياس دم الى ولديها المصابَين بـ"الثلاسيميا". تتحدّث السيدة نورما لموقع LebanonOn عن معاناتها، وتقول: "إبنتي (38 سنة)، وإبني (30 سنة)، يحتاجان شهريا تقريبا الى 3 أكياس دم لكلّ منهما، وهذه المشكلة يعانيان منها منذ ولادتهما نتيجة إصابتها بـ"الثلاسيميا". وهنا لا بدّ من الإشارة الى انّ مرض "الثلاسيميا" هو عبارة عن مرض وراثي في الدم، ناجم عن اختلال إنتاج جزيء الهيموجلوبين، وهو البروتين المركزي المتواجد بكريات الدم الحمراء، الذي يحمل الأوكسجين من الرئتين إلى باقي الجسم.
تشير السيدة نورما الى انّ "عملية نقل الدم كانت تتمّ في المستشفى طيلة السنوات الماضية، بكلفة وصلت الى 9 ملايين ليرة لبنانية شهريا، حيث كان الضمان يغطي 80% من هذه التكاليف، وكنا ندفع قرابة المليونين ليرة. "كان وضعنا ماشي حالو". وتضيف: "ابني وابنتي بحاجة ايضا الى دواء بسبب تغيير الدم الدوري، فليس من المفروض ان يتراكم الحديد في الجسم".
هذه التفاصيل التي تخبرنا بها السيدة نورما، تعود الى خبرتها في قطاع التمريض كونها كانت ممرّضة في العديد من المختبرات الطبّية. وتؤكّد انّ حياة ولديها تسير بشكل طبيعي اذا اتّبعا العلاج بإنتظام، "لكنهما معرضان لمضاعفات في اي وقت في حال تعذّر عليهما تغيير الدم او اخذ الدواء".
وتتابع: "المستشفى لا يستقبلنا اليوم بسبب فقدان الضمان لقدرته على تغطية الكلفة التي ارتفعت بسبب ازمة الدولار. أحتاج الى 4 مليون ليرة لقاء نقل الدم للولد الواحد داخل المستشفى من دون ضمان كل شهر".
وكونها ممرضة، تخبر السيدة نورما موقع LebanonOn أنّها تحاول اليوم ان تجري الفحوصات المخبرية المطلوبة في المستشفى، من أجل أن تجري عملية نقل الدم لولديها في المنزل، بالإضافة الى شراء كل المنتجات المطلوبة وفلاتر الدم. لا تخفي السيدة نورما أنّ هناك خطرا لعملية نقل الدم في البيت، لكن لا بديل بحسب رأيها، وهذا التدبير يبقى اقل خطورة من عدم إجراء العملية. وتكشف انّ "هناك نقصا في فلاتر الدم في لبنان والمستشفيات لم تعد تزودني بالكمية التي احتاجها لأتمّم العملية في المنزل، واذا اريد ان اشتري من الصيدليات يكون السعر بالدولار، وهذا ما يتخطّى قدرتي الشرائية".
وبالإنتقال للحديث عن أيّ دور لوزارة الصحة للتخفيف من معاناة السيدة نورما وعائلتها، تقول الاخيرة: "لا اريد ان أذَّل وأشحد نقطة الدم لأولادي"، وتسأل: "لماذا يجب ان اطرق باب وزير الصحة حمد حسن، او باب المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي وهما يعرفان ان هناك مرضى لا يمكنهم تحمّل كلفة هذا العلاج وسواه"؟
وتضيف: "الوضع تعيس جدا، وانا أتجنّب قدر الإمكان أن أحمّل اولادي هذه الهموم، وأحرص دائما على تزويدهم بالمعنويات، لأنّني اخاف ان يصلا الى مرحلة الكآبة او الانتحار". وتختم قائلة: "طرقت باب الكثير من الجمعيات، ولم يبق لي خيار إلا ان اجد احدا في الخارج لكي يساعدني على دفع التكاليف سواء جمعيات او افراد والا لن اتمكّن من الاستمرار. "موتتنا مش رح تكون عن يد ربنا موتتنا عن يدهن هنّي".