مارون يمّين - LebanonOn
مع ارتفاع أسعار اللحوم في لبنان، حيث وصل كيلو لحم البقر الى حدود الـ200 ألف ليرة لبنانية مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، بعد ان كان سعر الكيلو الواحد قبل الأزمة بـ18 الف ليرة فقط. استسلم بعض التجار وأصحاب المطاعم الى الاغراءات التي تصلهم من خلال شراء لحوم (غير معروفة المصدر غالبا) بأسعار متدنية جدّا لا سيّما في المناطق الشمالية والبقاعية، حيث يعتبر أصحاب المطاعم انّ سبب تدنّي أسعار هذه اللحوم يعود الى انّها مهرّبة من الجانب السوري الى الداخل اللبناني فقط لا غير.
ولكن ما لم يكتشفه هؤلاء بحسب التحقيق المكتوب الذي نشر على دفعتين في صحيفة "اللواء" قبل أسابيع، انّ هذه اللحوم ليست لحوم عجول او أغنام، بل لحوم حمير قادمة من تركيا، ويتم ذبحها وسلخها وتقطيعها عند الحدود اللبنانية والسورية، وتنقل بعدها من خلال "الفانات" الى داخل الاسواق اللبنانية، لا سيّما في المناطق الريفية والأسواق الشعبية ومخيّمات النازحين واللاجئين حيث تباع على شكل "لحوم مفرومة" وأخرى "هبرة".
فهل لحوم الحمير نظيفة؟ وماذا يحصل اذا تناول منه الانسان؟
يلفت البروفيسور في علوم الجراثيم محمود حلبلب في حديث خاص لموقع LebanonOn الى أنّ " التعامل مع لحوم الحمير كمصدر طعام ليس وليدة اليوم بل يعود بالتاريخ الى مئات السنوات. وفي الصين خاصة يقول التاريخ أنّه منذ 700 سنة كانت تنتشر لحوم الحمير بشكل كبير في المنطقة الشمالية. وفي أفريقيا الآن، لا تزال تستعمل لحوم الحمير وتؤكل، وهي موجودة بشكل كبير في العديد من الدول الافريقية حيث ان اثيوبيا تمتلك وحدها 8 مليون حمارا".
ويتابع: "البلدان الفقيرة وظروف الحياة الصعبة فيها، خصوصا البيئية منها، كالجفاف وقلة الأمطار، وصبر هذه الحيوانات على هذه الظروف البيئية التي ذكرناها تساعد في تربية الحمير لتكون مصدرا سهلا ورخيصا للبروتين".
ويضيف: "معظم الدراسات تشير الى صحية هذه اللحوم، والى وجود كميات عالية من الأحماض الأمينية، وهي مهمة جدا لأن جسمنا يستخدم هذه الاحماض من أجل بناء البروتينات اللازمة كجزء من الوجبة الغذائية. هناك كميات عالية من السكريات والكربوهيدرات في لحوم الحمير، وهي ايضا قليلة الكوليسترول حيث تحتوي على كميات كبيرة من الدهون غير المشبّعة، وهذا يعتبر مهم جدا من الناحية الصحية والغذائية بالاضافة الى كمية البروتين الموجودة فيها، وهي قد تكون اعلى من النسبة الموجودة في لحوم البقر والخنزير التي تحتوي على كميات كبيرة من الكوليستيرول بعكس لحم الحمير، وبالتالي هي مناسبة للاشخاص الذين لديهم مشاكل في القلب".
ويشرح حلبلب انّ "على صعيد الجزيئيات الصغيرة كالزينك والحديد والكالسيوم والمعادن الاساسية، فهي كلها متوفرة في لحوم الحمير، لكن كما نعرف قبول المستهلك لهذه اللحوم صعب".
ويذكّر البروفيسور حلبلب انّه "لا يجب ان ننسى ان 65% من الامراض التي يصاب بها الانسان مصدرها الحيوانات وبالتالي كما باقي اللحوم، يسبّب التلوث الميكروبيولوجي مشاكل كبيرة. وللأسف تحتوي لحوم الحمير على جميع انواع الميكروبات (البكيريا - الفيروسات – الطفيليات - الديدان – وغيرها...)؛ مضيفا انّ "هناك بكتيريا تسبّب مرض الـGlanders او مرض الرعام (داء الخيل)، وهي شديدة العدوى بين الحيوانات نفسها (حمير وأحصنة وحيوانات اخرى). هذا المرض نادر، لكنه متواجد في الشرق الاوسط ودول اميركا الجنوبية، حيث تصيب هذه البكتيريا الجهاز التنفسي، ويمكن ان تسبب تقرحات والتهابات في جلد الحيوانات او الانسان اذا انتقلت اليه، وقد تكون ميمتة للحيوان".
ويشير حلبلب الى انّ "هذه البكتيريا وسواها تنتشر، بين الحمير والاحصنة والبغال كونها تتشارك مياه الشرب، او نفس فرشاة التنظيف وبالتالي اذا كانت موجودة هذه الالتهابات على جلد حيوان ما، يمكن ان تنتقل الى حيوان آخر او للإنسان"، مؤكّدا انّ "الخطر موجود، ويجب طبخ هذه اللحوم جيدا لكي تقتل كل البكتيريا التي تحتويها". وكشف حلبلب عن "دراسة نيجيرية عن لحوم الحمير المعروضة للبيع في الاسواق هناك، قد وَجدت ان هذه اللحوم كانت ملوثة ببكتيريا "very toxigenic e coli" و"Enterohemorrhagic Escherichia coli" وهي من الانواع الخطيرة من فصيلة بكتيريا الإشريكية القولونية، وجرعة بسيطة من 10 الى 100 بكتيريا تكفي ان تصيب الانسان بالأمراض".
ويتابع: "تحتوي لحوم الحمير على "hepatitis e virus" وهو نوع من الفيروسات الذي من اليمكن ان يسبب مرض اليرقان او الصفراء، وهو مرض ناجم عن تكون كمية زائدة في الدم من صباغ بني مائل إلى الصفرة يسمى "بيليروبين". إنّ تراكم هذا الصباغ وترسبه في نسيج تحت الجلد وفي الصَّلبَة (الغطاء الليفي الخارجي غير الشفاف للعين - Sclera)، يؤدي إلى اصفرار الجلد والعينين. وفي الحالة الجسمانية السليمة، يتكون صباغ البيليروبين نتيجة للتحلل المستمر لخلايا الدم الحمراء الهرمة، ويصل إلى الكبد من خلال الدم، مسبّبا التهابات قوية".
ويشدّد حلبلب على انّ "الخطر الموجود في لحوم الحمير هو نفسه تقريبا بالنسبة الى اللحوم الاخرى، لكن يبقى قبول استهلاك هذه اللحوم هو المشكلة الكبرى". اذ يرى انّه "لم يتم تسويق استخدام لحم الحمير في العديد من الدول، بل خُصّص في عمليات النقل الشاقة، حيث انّ العضلات تكون قاسية، وبالتالي اللحوم لا تكون طرية كما هو مطلوب"، معتبرا انّ "لحوم الحمير المتقاعدة ليست جيدة".
ويختم حلبلب حديثه لموقعنا، قائلا: "الجهاز المناعي الضعيف عند الانسان هو عرضة اكثر للاصابة بالجراثيم والميكروبات التي تحملها لحوم الحمير، لذلك يجب تجنّب التلوث الميكروبي من خلال الطهي الجيّد".