"أعدمونا، لا تتركونا نموت من الجوع، من المرض. أنقذونا من الموت بطيء". صرخة سجناء روميه خرجت منذ حوالي 3 أشهر من دون ان يكون لها آذان صاغية. في حين عمّم المرصد اللبناني لحقوق السجناء تعميما أكّد فيه انّ المجاعة والمرض والموت البطيء بدأ يطرق أبواب سجن رومية، وبات السجناء يرزحون تحت مطرقة الأزمة، بعد أن تراجعت الخدمات المقدّمة خصوصا بعد رفض المستشفيات استقبال السجناء نتيجة عدم دفع مستحقاتها من قبل الدولة.
أمنية المساجين اليوم هي "الإعدام". وهي حال لسان كلّ موقوف او مسجون وفق ما علم موقع LebanoOn، فالأوضاع تشبه لبنان اليوم سواء داخل السجن او خارجه. أوضاع تعيسة، مظلمة، تخيّم عليها عتمة سوداء لا يعرف احد أين النور فيها، او ايّ انفراجة تنتظرها.
رئيس جمعية لجان الموقوفين في السجون اللبنانية الشيخ دمّر المقداد كشف لموقعنا في حديث خاص انّ "هناك عشرات المساجين الذين يعانون من أمراض مختلفة باتوا يحتاجون الى أدوية لم تعد متوفّرة في صيدليات السجون اللبنانية"، ويؤكّد لنا انّ "15 سجينا في سجن روميه تحديدا، احوالهم المرضية مأساوية جدّا، اذا يحتاج أحدهم الى عملية قلب مفتوح، وآخر الى غسيل كلى، فيما هناك سجناء يعانون من مشاكل خطيرة على مستوى الكبد".
ويلفت المقداد الى انّ "السجناء غير قادرين على دفع تكاليف الطبابة، والدولة بدورها غير قادرة ايضا على تغطية ما كانت تدفعه لمعالجة المساجين، حتى وصلت الحال الى انّ المسؤولين اصبحوا يطلبون من اهالي السجناء ان يدفعوا ثمن الأدوية لمعالجة ذويهم داخل السجون". ويؤكد المقداد في هذا السياق انّهم في الجمعية يحاولون ان "يشحدوا من فلان وعلتان" لمساعدة المساجين المرضى لإجراء العمليات الطارئة، وشراء ادوية أمراض المستعصية".
"اتركوه يموت في حضن أخته"...
ومن هذا المنطلق، شدّد المقداد على انّ "هناك مساجين باتت ايّامهم معدودة نتيجة مرضهم المتقدّم، ولا يزالون في السجون، او المسشتفيات تحت الرقابة المشدّدة، كحال السجين خ.ح. وهو مريض بسرطان الكبد ولا يُسمح لأهله بزيارته ولا يزال مسجونا داخل المستشفى حتى الآن، وأخته تناشدني دائما: "بدي شوفو قبل ما يموت". وسأل: "لماذا هذا الاجراء لطالما تقارير الطبيب تؤكّد انّه سيتوفى في خلال ايام قليلة؟ اتركوه يموت في الخارج، في حضن اخته او امّه".
رغيف خبز واحد لكل سجين في اليوم
يكشف الشيخ دمّر المقداد في خلال سرده لنا لواقع السجون اليوم أنّ "الطعام شحّ كثيرا، أكثر من تلك الفترة التي علت فيها أصوات المساجين منذ 3 أشهر، ولم يعد هذا الشحّ مقتصرا على اللحوم والدجاج، بل بات يشمل الألبان والاجبان، وكل سجين بات يحقّ له برغيف خبز واحد في اليوم".
وعن امكانية تعويض أهالي السجناء هذا النقص، يقول المقداد: "الاهالي وضعهم ليس بميسور، وكانت (قدرتهم على قدها)، وحالهم حال كل اللبنانيين بل "أضرب". فما بالك اليوم في هذه الازمة المعيشية التي تضرب لبنان، والتي تسبّبت في انخفاض قدرة الاهالي على شراء الطعام لذويهم المسجونين". الوضع ماساوي حقّا، ولا يُحتمل، وفق المقداد.
إنقطاع البنزين أوقف المحاكمات؟
وما لم يخطر على بال احد، هو انعكاس أزمة البنزين على المساجين. يؤكّد المقداد انّ "هناك مساجين يريدون ان ينتقلوا من السجن من اجل المحاكمات او لحضور جلسة محاكمة (يقولون لهم بنزين ما في)، وهذه كارثة بحدّ ذاتها في ظلّ شبه تعطيل للمحاكمات نشهده ليس من الآن بل منذ سنوات طويلة". وبنبرة عالية يضيف المقداد: "من حقّ السجين ان يتحاكم. من حقّه ان يعرف اذا كان بريئا او مرتكبا للجرم". وسأل مستغربا: "هناك مساجين انتظروا محاكماتهم 7 سنوات، وخرجوا براءة من بعدها، هل يعقل ذلك؟ نحن لا نقول ان لا يكون هناك سجون، او عقاب لأي مجرم، ولكن كلّ سجين في الكون تتم محاكمته، ولا يبقى موقوفا لسنوات داخل السجن... من يتحمّل هذه المسؤولية"؟
ويضيف: "للأسف ليس لدينا مساجين محكومون، بل لدينا مساجين موقوفون منذ سنوات طويلة، بعضهم تجاوز توقيفه الـ10 سنوات وحتى الآن لم تتم محاكمته". وهنا يكشف المقداد عن انّ السجين "ف.م" لا يزال موقوفا منذ 9 سنوات بتهمة مخدرات، لكن لم تتم محاكمته بعد. ويقول انّه من الممكن ان يكون حكمه 5 سنوات او 4 او 7، فمن يعيد اليه السنوات الباقية التي سجن فيها، وحرمه فيها من الحرية؟
هذه الحالة التي يرثى لها، جعلت الشيخ المقداد يدعو الى ترك المساجين الموقوفين تحديدا، اذا فقد المسؤولون القدرة على إطعامهم، وفي الوقت نفسه يرفضون ايّ حلّ لتسوية اوضاعهم وتسريع عملية محاكماتهم.
محتكرو الحوانيت... "شي فوق الخيال"
ولحوانيت السجن حكاية اخرى. الأسعار "شي فوق الخيال"، حيث لم يتمكّن المقداد وصف سعر ربطة الخبز، او علبة الجبنة، او كيلو السكر. ويؤكّد في هذا الإطار انّ "دكاكين السجون رفعت اسعارها بشكل كبير ومبالغ فيه وأكثر من الخارج. انّها قمة الاحتكار عندما لا تسمح للسجين أو أهله ان يشتروا الا من هذه الحوانيت".
ويضيف المقداد خاتما حديثه لموقع LebanonOn: "القوى الامنية لا تسمح لأهالي السجناء ان يجلبوا الطعام او السلع الغذائية من خارج هذه الدكاكين، بحجة مكافحة المخدرات حيث يتم تهريبها احيانا ضمن الاطعمة الى داخل السجون، مع العلم ان هذا الكلام غير صحيح، ويمكن للسلطات ان تفعّل اجهزتها الرقابية ان كانت تحصل. هذا التواطؤ بين الدولة وتجارالدكاكين في السجون أصبح واضحا ومكشوفا، ونحن كجمعيات سنحاول قدر المستطاع التعويض".