أعلن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة منذ 10 أيّام عزم المصرف إطلاق مبادرة تعمل على تسهيل السداد التدريجي للودائع وإطلاق منصة إلكترونية للصرافة. وتهدف المبادرة وفق البيان الذي أصدره سلامة الى إراحة اللبنانيين ضمن القوانين والأصول التي ترعى عمل مصرف لبنان، وذلك رغم الأزمة الخانقة التي يعمّقها غياب حكومة فاعلة تقوم بالإصلاحات المطلوبة، وتستعيد علاقات لبنان العربية والدولية والثقة الداخلية والخارجية.
وكشف سلامة تفاوض مصرف لبنان مع المصارف اللبنانية حاليًا بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها البنوك بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019 حتى 31 آذار 2021، وذلك بالعملات كافة بما فيها الدولار الأميركي.
المنصّة موجودة منذ سنة...
إذا أردنا ان نضع هذه المنصة في نصابها القانوني الصحيح، تؤكّد الخبيرة في الاقتصاد النقدي والقانون د. سابين كيك في حديث لموقع LebanonOn أنّ "هذه المنصة موجودة منذ حزيران 2020 وليست بجديدة، وكانت موضوعة للصرافين للتبليغ عن كل عمليات بيع وصرف العمولات، وسُلّموا الصرافين منذ حزيران الأدوات اللازمة للعمل وفق هذه المنصة، وأوكلت مهام مراقبة التصريح عن العمليات الى لجنة الرقابة على المصارف". وتشير كيك الى أنّ "اليوم أعيد إدخال المصارف الى هذه المنصة، ويبدو أن هناك هذا التوجه، لأنّني أعتقد أننا ذاهبون نحو رفع الدعم، وبالتالي إنّ عملية شراء الدولار من قبل التجار بسعر مدعوم على 1500 ليرة وتحويله الى الخارج لشراء السلع سيتوقّف قريبا جدا"، مضيفة انّ "مصرف لبنان يحاول تنظيم عملية تحويل المبالغ والأموال الى الخارج للاستيراد عبر المصارف".
وتقول كيك: "حاول مصرف لبنان من خلال التعميم ان لا يتعدّى الفرق الـ1% بالسعر لكي يبقى ضمن هامش الأرباح المعترف به، كما لا يوجد نصّ يحدّد هامش الربح، وهذا الموضوع يخضع لحرية التداول، ولا اجد ان لمصرف لبنان ايّ امكانية ليلاحق المصارف او الصرافين اذا لم يلتزموا بهامش الربح الذي حدّده".
والملفت للنظر في التعميم الذي نظّم فيه هذه المنصّة "صيرفة" بحسب كيك، انّ "المركزي" يتوجّه لوزير المال بالتحديد بالقول أنّ مصرف لبنان سيحاول التدخل عند الضرورة ووفق ما يملك من مقدرات مالية للجم او التحكم او ضبط هذا السعر، ويؤكّد أن الأموال التي سيستخدمها في هذه العملية فيما لو تدخّل مصرف لبنان ستسجّل في حساب تثبيت القطع.
لا جردة حساب بين مصرف لبنان ووزارة المال منذ سنوات
وتشرح كيك لـLebanonOn أنّ "حساب تثبيت القطع، هو حساب اصلا مفروض ان يكون منظما بين مصرف لبنان ووزارة المال، ليس فقط اليوم لا بل في كلّ الأوقات، اذا مصرف لبنان في هذا التعميم يؤكّد على انّ ايّ تدخل او مبلغ سيسجّل في حساب تثبيت القطع ممكن ان نقرأه بالقانون وكأنّه يقول لنا انّ هذا الحساب لم يكن موجودا من قبل، وانّ لا جردة حساب بينه وبين وزارة المال في حسابات تثبيت القطع".
وترى كيك أنّ "أزمة الشح في احتياطي العمولات النقدية، بشكل أو بآخر كان سببه موضوع تثبيت العملة لأننا كنا بحاجة الى تدخل المصرف المركزي لدعم السلع الأساسية، وليتدخّل بالسوق للجم سعر الصرف طوال هذه السنوات، وهذا الموضوع بالقانون موجود، لكن كيف تم تثبيت سعر صرف الليرة طيلة الحقبة السابقة واضح من انّها لم تكن تحتكم الى القانون، والتعميم الأخير يؤكّد ما أقوله".
وبالقانون، تعتبر كيك أنّ "هذا الحساب يجب دائما ان يسجِّل فيه مصرف لبنان كل عمليات تثبيت القطع التي تدخّل فيها، لأن المركزي لا يملك هذا الاحتياطي الا عبر مسارين: ودائع للمصارف او الموجودات التابعة له أو احتياطي مقابل النقد اللبناني الذي يتبعه، ما يعني أنّ حرية استعمال العمولات الاجنبية لم تكن كثيرا متاحة، وبالتالي كان في كل مرة يتدخّل فيها مصرف لبنان ليثبّت هذا القطع، أن يسجّل هذا الموضوع في حساب تثبيت القطع وفق المادة 75، ويقوم بعدها بجردة حساب مع وزارة المال".
وتسأل كيك: "هل فعلا تمّت جردة الحساب هذه طيلة هذه السنوات؟ اين كانت السلطة السياسة؟ اين كانت وزارة المال ومفوض الحكومة؟ أين الأجهزة الادارية في مصرف لبنان التي من مهامها مراقبة كل هذه العمليات"؟
هل سيستطيع المودع من سحب الدولار من حسابه المصرفي وفق سعر صرف السوق السوداء بدلا من 3900 ليرة؟
تفيد كيك أنّ "المودع لن يتمكّن من يسحب دولاراته من المصرف وفق سعر صرف يساوي 12 او 13 ألف، والى الآن لا يوجد ايّ اجراء يدلّ على ان المواطن سيتمكّن من ذلك، ولا اعتقد ان ما نشر عن مبادرة لرياض سلامة بإعطاء المودعين مبلغ 25 ألف دولار او ما يوازيه بالعملة اللبنانية في السوق السوداء كان جدّيا بدليل انّنا لم نقرأه في اي منشور رسمي كما جرت العادة مع تعاميم مصرف لبنان السابقة". وبما يختص بحقوق المودعين، تشير الى انّ "كل المنظومة التشريعية اللبنانية تحمي حقوق المودع بالكامل".
وتسأل كيك مجدّدا: "هل المودع يريد ان يتحمّل الخسارة قبل ان يعرف بالمقابل كم يتحمّل المسؤول عن هذه الخسارة؟ وهل اليوم يسمح المودع ان يتحمّل فرق الخسارة الشاسع بعد ان وصل سعر الصرف الى 13 ألف ليرة، بينما يسحب ودائعه على سعر 3900؟" مضيفة أنّ "المصارف هي المسؤولة عن هذه الخسارة وعن هذه السياسة العاطلة، وحقّقت أرباحا طائلة حتى عام 2018 وفق الأرقام المتوفرة، وبالتالي لا يمكنها ان تضع هذه الأرباح على حدة وتقول انّها لا تمتلك المال بعد الآن. من هنا تبرز اهمية ان يضغط المودعون بشكل كبير باتجاه المصارف تحديدا لكي تضع ميزانياتها على الطاولة الصحيحة وأمام الجهات المختصة، لكي تدقّق فيها ولمعرفة حجم خسارة كل مصرف".
ودعت كيك كل المودعين المقيمين والمغتربين وحتى الأجانب الى الضغط نحو التدقيق في المصارف اللبنانية والمصرف المركزي، مشدّدة على أنّ "الخسائر ليست فقط عند المصارف، بل الخسائر الكبيرة موجودة لدى مصرف لبنان ولا بد من خلال هذا الضغط، تحديد حجم الخسائر ولا يجب ان نقبل بالأمر الواقع".
الدولار الى ارتفاع...
تعتبر د. كيك انّ "سعر الدولار اليوم ليس هو السعر الحقيقي، لأن هناك عوامل عديدة تتحكّم به، منها الدعم، وعملية الحجز على اموال المودعين في المصارف - سواء تلك المودعة بالدولار او الاخرى المودعة باللبناني -، بالإضافة الى حجم الاحتياطي الذي تناقص يوما بعد يوم، وبالتالي سعر الدولار سيتغيّر وفق اي عامل من هذه العوامل بالإضافة الى الحاية السياسية العامة في البلد".
وتختم كيك حديثها لموقعنا بالقول: "الأكيد أننا اذا استمرينا بهذا الوضع من دون ايّ خطة او افق للأزمة ومن دون ايّ ضابط سياسي، قضائي، اقتصادي، مالي، نقدي، او مصرفي، سيشهد الدولار ارتفاعا أكيدا في الفترة المقبلة".