مارون يمّين
الويل لأمّة تذلّ مرضاها من أجل حبّة دواء. الويل لأمّة يموت مرضاها على أبواب المستشفيات من أجل حفنة من الأموال. الويل لأمّة تخلّى فيها المسؤولون عن رعاية شعبهم. قصص مأساوية كثيرة نسمعها يوميّا في ظلّ هذا الإنهيار الشامل. الإنسانية معدومة، والضمير مفقود، امّا "الشفقة" فبقيت حظا لمن يعرف وسيطا "يده طايلة".
قصّة المواطنة اللبنانية ماري التي سنسردها في هذا المقال، لا تختلف كثيرا عن هذه المشهدية القاتمة التي ندور في فلكها. ماري مريضة سرطان، تصارع المرض منذ سنتين بعد أن أصابها في "عنق بيت الرحم"، وفي جزء من بطنها. "الخبيث" وصل أيضا الى مثانتها (المبولة)، وكليتها التي جرى تنفيسها عن طريق عملية قسطرة داخلية (ميل). ماري التي تعاني أيضا من جلطات على إحدى رِجليها بسبب المرض، تضع حفاضات بعد أن تقدّم السرطان عليها، وبالرغم من ذلك، المعركة مستمرّة.
لا تعرف اليوم ماري وفق ما أخبرت موقع LebanonOn نسبة الخطر على حياتها: "ما بعرف نسبة الخطر، بس بالنهاية هيدا سرطان والخطر موجود دائما".
السيّدة ماري التي تريد ان يصل صوتها من خلالنا لوزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، ليس لديها معيل. هي متزوجة ولديها 3 أولاد جميعهم في المدرسة (الكبير عمره 19 سنة، والصغير 12 سنة، فيما ثالثهما عمره 16 سنة). امّا زوجها فهو ليس بطلا في هذه القصة بسبب مشاكل عائلية، فضّلت ماري عدم الغوص في تفاصيلها.
وعن كفاحها ورحلة العلاج، تقول ماري: "خضعت لـ3 علاجات، في كل علاج كان الدواء يتبدّل. الدواء في العلاج الاول كانت تؤمّنه وزارة الصحة بالإضافة الى حقن المناعة؛ امّا الدواء في العلاج الثاني كانت الوزارة تؤمن قسطا منه، واستدنت مبلغا من المال من أجل شراء الدواء، وحتّى اليوم لم اتمكّن من تسديد الديون، حيث بلغت تكلفة كلّ علاج اكثر من مليونين ونصف، اضافة الى تكاليف غرفة المستشفى، وصور السكانر التي كنت أجريها كلّ 3 جلسات من العلاج.
وتتابع: "الدواء في العلاج الثالث - (العلاج الحالي) - غير موجود في الوزارة ولا تؤمنّه، والى الآن لم أستلم الدواء وليس لدي القدرة على شرائه من خارج وزارة الصحة بسبب تكلفته العالية (اكثر من مليون ونصف)".
ليس فقط دواء السرطان، وحقن المناعة ما تحتاجه ماري لمتابعة نضالها، فهي تحتاج أيضا الى حقنتين يوميا من أجل "سيلان الدم"، أيّ بحدود الـ60 حقنة شهريا، بمعدّل 37 ألف ليرة يوميا، وذلك من أجل تجنّب الجلطات".
تقول ماري بغصّة وحرقة قلب: "صرلي شهر تقريبا مش آخدة ابرة سيلان وحدة". وبالرغم من أنّ حديثنا كان عبر الهاتف، لكن بدت ماري وكأنّ الدموع تنهمر من عينيها التي شهدت على اشدّ العذابات في خلال هذه السنتين، والتي ساهمت فيه دولتنا بطريقة او بأخرى.
ماري التي تعيش هذه الفترة عند شقيقتها، والتي اصرّت على عدم ذكر اسم العائلة كونها لا تهدف الى استجداء المساعدة من هذا المقال بل لرفع الصوت، تؤكّد انّ "وزارة الصحة كانت تؤمّن لي جزءا من حقن سيلان الدم؛ امّا القسم الآخر، فكان أشقائي يتكفّلون بتأمينها لكن "وضعهم على قد حالن". وفي الفترة الراهنة الوزارة لم تعد تؤمّن هذه الحقن بحجة انّه لا يوجد لديها، وكذلك الأمر بالنسبة لحقن المناعة".
وفي هذا السياق، تطلب ماري من وزارة الصحة ان تساعد مرضى السرطان، "لأنّنا نعاني فعلا من كل تبعات هذا المرض خصوصا في هذه الأزمة التي نعيشها". وتتابع: "نسيوا مرضى السرطان واهتموا بمرضى الكورونا" أمّنوا لنا الأدوية "الدوا برّا كتير كتير غالي".
هذه القصة لا تمثّل حالة ماري فقط، بل هي مثال مصغّر عن حالة مئات المصابين بالسرطان في لبنان، و"يا حرام، روحوا شوفوا شو عم بعانوا المرضى بمستشفى الكرنتينا". لم تكتف وزارة الصحة من إذلال مرضى السرطان من أجل حبّة دواء يأملون ان تنقذ حياتهم. ففي كلّ مرة تريد ماري وسواها من المرضى ان يخضعوا للعلاج، يجب ان يجروا فحص الـPCR على نفقتهم الخاصة. وفي هذا الإطار أيضا، تؤكّد ماري انّ "مرضى السرطان الذين يتطبّبون على حساب وزارة الصحة، يمتلكون بطاقة من الوزارة"، وبالرغم من توفّر هذه الداتا لدى الوزارة، الا انّها حتى الآن لم تتواصل مع المرضى من اجل تلقيحهم ضدّ فيروس كورونا، حتى انّ ماري تسجّلت على المنصة وسجّلت انّها تعاني من مرض مزمن والى الآن لم تُرسل اليها رسالة من اجل اخذ اللقاح".
وعن المعاناة النفسية الاضافية التي تفرضها وزارة الصحة، تقول ماري: "في كل مرّة اريد ان احصل على الدواء من الوزارة يجب ان احضر شخصيا - (مهما كان وضعي الصحي) - ولا يسمحوا لأخي بأن يأخذ الدواء بإسمي". وتضيف خاتمة حديثها: "عيب عليهن ينزلوا المرضى الى المستشفيات" لكي يأخذوا الأدوية وفي الوقت نفسه لم يحصلوا على اللقاح ضد كورونا". مع العلم انّ الوزارة قد اوضحت في السابق انّ هذا الاجراء هو من اجل الحدّ من تهريب الأدوية الى الخارج.