تمكّنت السلطات المصرية يوم الإثنين الفائت من تعويم السفينة البنمية العملاقة بعد أن جنحت وعلقت لمدة أسبوع تقريبا في قناة السويس أثناء مرورها بها. واحتفى المصريون بهذه العملية التي عطّلت حركة التجارة الدولية طيلة الأيام السابقة، وكبّدتها خسائر كبيرة يستحيل في هذه المرحلة إعطاء أرقام دقيقة عن حجمها.
وفيما أسباب هذه الحادثة غير واضحة بشكل كامل، تأرجحت بين عوامل طبيعية (رياح، عاصفة رملية...)، وبين أسباب تقنية بحت، فيما ينظر البعض الى مؤامرة قد حيكت من أجل توجيه رسائل قد تشعل في طياتها حربا مستعرة عصبها "المياه". فبين أزمة سدّ النهضة، وحادثة قناة السويس، هل دفعت مصر بإتجاه التحذير أو حتى التهديد لحماية حقوقها أقليميا مع التبدّلات التي تشهدها المنطقة مؤخّرا؟
قبل المحاولة للإجابة عن هذا السؤال، توجّه موقع LebanonOn الى الـ"Master Mariner" مارون عبدالله والذي أطلعنا عن تفاصيل إضافية قد تمّ حجبها قصدا عن الإعلام، وطرحنا معه سيناريوهات عدّة عن حادثة جنوح السفينة التي حصلت بعيدا عن نظرية المؤامرة.
ويرى عبدالله أنّه "بسبب الحمولة التي تقدّر بمئات آلاف الأطنان جنحت سفينة عن مسارها وعلقت في الصخور والوحول، مشيرا الى أنّ كل سفينة لديها power of inertia تتحكم بها أي طاقة ترتكز على قوة التعطيل، وبالتالي وفي وضع سفينة ever given لا يمكن توقيفها باللحظة التي يريدها القبطان".
وعمّا اذا كانت الرياح قد تسبّبت بهذه الحادثة وفق تداوله في غالبية وسائل الإعلام، يعتبر عبدالله أنّ "الرياح مبدئيا لا يمكنها ان تؤثّر بجنوح السفينة لهذه الدرجة خصوصا وهي بهذه الضخامة"، ويبدو أن طاقم الملاحة قد فقد السيطرة على السفينة خصوصا اذا في حال عدم توفّر المحرّكات المطلوبة للتحكم بالسفينة في حال جنوحها وهذه المواضيع يجب أن تُأخذ بعين الإعتبار وفق عبدالله.
ويشرح عبدالله عن كيفية تأمين السلامة العامة لإرساء هذا النوع من السفن، متحدّثا عن ثغرات عديدة لم يتمّ تسليط الضوء عليها بشكل كافٍ. وقال: "من أجل السلامة العامة، تختار إدارة الموانئ في قناة السويس على غرار باقي الموانئ في العالم، عددا من الـ Tugboats وهي قاطرات بحرية والتي من شأنها أن تساعد السفن العملاقة للعودة الى مسارها". وتابع: "هناك مرشد سفن (pilot) ترسله إدارة الموانئ لمساعدة قبطان السفينة لكي ترسو بسلامة، وهو يكون على اطلاع بكل تفاصيل الميناء المقصود وعلى تواصل دائم مع مدير المرفأ (harbourmaster) والقاطرات البحرية"، مؤكدّا انّ "الـPilot هو بالإجمال من نفس جنسية البلد الذي ترسو فيه السفينة، وهنا في حالة الـ ever givenالمرشد هو من الجنسية المصرية، ما يطرح عدة علامات إستفهام عن سبب تغييب الضوء عن مسؤولية المرشد المصري في الحادثة التي حصلت في قناة السويس خصوصا وأنّه على اطلاع أكثر في كيفية إرساء السفن في القناة تحديدا".
وأضاف عبدالله: "ليست كل معالم الميناء واضحة تماما على منضدة السفينة التي تظهر لوح المفاتيح للتحكم برسو السفينة، وكذلك تظهر بيانات في هذا الخصوص كالإطلاع على عمق المياه وغيرها من التفاصيل. ولكن القبطان دائما ما يحتاج الى تفاصيل إضافية ودقيقة أكثر لكي يرسو بالسفينة بأكثر طريقة آمنة ممكنة، وهنا تأتي المسؤولية على عاتق مرشد السفينة".
وفي سياق حديثه لموقع LebanonOn، يشدّد عبدالله على انّ "العالم لم ير أي شيء غير متوقع في حادثة جنوح سفينة ever given في قناة السويس سواء مناورات عسكرية أو غيرها، وإذا كانت فعلا عوامل طبيعية أدّت الى ذلك، فكان من الأحرى بتوقيف الملاحة من الأساس، من هنا تُطرح أسئلة إضافية، خصوصا وانّ السفينة قد أخذت الموافقة على المرور بالقناة وفق المعايير التي تحدّدها إدارة المرافئ عالميا".
وعن إمكانية أن تكون هذه الحادثة مقصودة لتوقيف الملاحة في قناة السويس، يكشف عبدالله عن أنّ "وبحسب الإحصاءات الدولية، قرابة 92% من حوادث السفن مرتبطة بشكل وثيق بعوامل بشرية. وتتجه هذه العوامل إمّا نحو ظروف قهرية، وإمّا تكون هذه الحوادث مقصودة"، خاتما ودائما بحسب إعتقاده "ألّا هناك قوة قهرية دفعت الى التسبّب بهذه الحادثة، وبنفس الوقت لا يمكن إثبات أنّ الحادثة مقصودة لكن الطرح يبقى موجودا حتى ولو كانت نسبة صحّته 1%".
هل فعلا ما حدث في قناة السويس ينطوي تحت "نظرية المؤامرة"؟
بداية يجب ان نعرف أنّ الأمن المائي لمصر اليوم مهدّد في ظل عزم إثيوبيا على مباشرة الملء الثاني لخزانها ما يضع أزمة سد النهضة أمام منعطف حاسم، وسط تساؤلات حول من يملك زمام المبادرة في توجيه مسار المفاوضات بين إثيوبيا والسودان ومصر، وما الأوراق التي تستطيع الدول الثلاث أن توظفها في هذا الملف. وتسعى مصر منذ القرن الماضي بعد أن بدأت تشعر بنوع من النقص بالمياه الى معالجة المشكلة عبر إنشاء الخزانات والسدود، في ظلّ الارتفاع الهائل في عدد السكان.
وكان ملفتا أنّ الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي الذي ألقى كلمة بمناسبة نجاح دولته بتعويم السفينة الجائحة، أنّه أشار الى موضوع حق مصر بكلّ نقطة ماء من نهر النيل في إشارة واضحة الى أزمة سدّ النهضة، فكانت رسالة مصرية مدوّية الى كلّ العالم بعد أن تحوّلت حادثة قناة السويس من أزمة إقليمية الى عالمية. وقال السيسي تحديدا: "لن يتمكّن أحد أن يأخذ نقطة ماء من مصر، وإلا ستكون هناك حالة من عدم الإستقرار لا يمكن لأحد ان يتخيّلها؛ ولا يتصوّر أحد أنّه قادر أن يبقى بعيدا عمّا يمكننا أن نفعله. انا لا أهدّد أحدا لكن مياه مصر خطّ احمر ولا مساس بها".
وبناء على ما تقدّم، يمكننا أن نعتبر أنّ ما حصل هو دلالة على تحويل قناة السويس الى ورقة ضغط دولية في مفاوضات سد النهضة، خصوصا وأنّ البعض يعتقد أن مصر لا تستطيع بحسب اتفاقية القسطنطينية إغلاق قناة السويس إلّأ أمام سفن دولة في حالة حرب معها؛ من هنا أظهرت مصر انّ بإمكانها تعطيل الحركة بصورة أخرى. نضف الى ذلك، ما تداولته بعض الحسابات "الضيقة" على مواقع التواصل الاجتماعي، تمكّن موقع LebanonOn من رصدها، بأنّ مصر لإثبات نجاح مهمّتها هذه، اختارت سفينة شركة "Ever Green" والتي تعني "أخضر الى الأبد"، وهو خيار مقصود لتكون رسالة بأنّ نهر النيل لن يتوقف وسيبقى شريان الحياة الرئيسي لمصر، وبأنّ مصر ستبقى خضراء للأبد. فهل لجأت فعلا مصر الى هذا الخيار لحماية حقوقها في نهر النيل؟