تسبّبت السفينة الإسرائيلية "مرت 11" بتسرّب نفطي كبير، وصفته الصحف العالمية بالخطير بالرغم من التكتّم الشديد على الموضوع من قبل الاعلام المحلي الإسرائيلي. وطاول هذا التسرّب عدّة مناطق في الجنوب اللبناني سواء في البحر أو على اليابسة ما استدعى التدخل الرسمي المحلي على مستوى رئاسة الحكومة، حيث كلّف الرئيس حسان دياب وزيري الدفاع والبيئة زينة عكر ودميانوس قطار والمجلس الوطني للبحوث العلمية، بمتابعة الموضوع، كما وجّه بإخطار قوات الطوارئ الدولية في لبنان لإعداد تقرير رسمي.
ومع مرور قرابة الـ4 ايام على وقوع هذه الحادثة التي يُمكن وصفها بـ"الكارثة البيئية"، قرّر موقع LebanonOn الغوص في تفاصيل هذه الأزمة في محاولة للإطلاع على حجم الكارثة، وأضرارها وأثرها البيئي، كما نتوقف في هذا التحقيق عند الخطوات التي حصلت على أرض الواقع من قبل المعنيين من اجل إحتواء الأضرار الناجمة عن التسرّب.
القطران يغزو المياه اللبنانية
ويكشف بداية، مدير هيئة إدارة الكوارث في مدينة صور مرتضى مهنّا في اتصال معنا أنّ "50 كلم من الشاطئ في العباسية حتى الناقورة هي المساحة التقريبية المتضرّرة من جرّاء التسرّب النفطي، وهي بقعة ملوّثة بمادة القطران"، لافتا الى أنّ "بلدية صور تحاول ومعها مركز الغوص البحري بالإمكانيات التي لديها أن تعالج الأمر لكن على ما يبدو انّ حجم الكارثة يفوق امكانياتهم". ويوضح مهنّا أنّهم كهيئة على تواصل دائم مع المعنيين من أجل محاولة إرسال خبراء مختصين لكيفية معالجة وإزالة هذا التلوث، مُرجعا ذلك الى "جهل الخطورة التي تشكّلها المادّة الموجودة في المياه اللبنانية وتلك التي وصلت الى شواطئنا".
ويؤكّد مهنّا أنّ "كميات المواد المتدفقة إثر هذا التسرب كبيرة جدا، ولم نتمكّن من احصائها حتى الساعة، وهي ليست بالمواد التي يمكن أن تتحلّل بسرعة في الطبيعة، بالإضافة الى أنّنا لا نعلم بعد ما يمكن أن تسبّبه هذه المواد على الثروة البحرية في حال تحلّلها".
المشهد مرعب في الناقورة وحجم التلوث فاق التوقعات
بدوره، يقول رئيس بلدية صور الأستاذ حسن دبوق في حديثه لـLebanonOn إنّ "الضرر كبير جدا وأكثر مما هو متوقّع والمشهد مرعب في منطقة الناقورة"، مشيرا الى أنّ "حجم الكتل النفطية ضخم، وقد تداخل ما بين الصخور والتصق بها، وقد وصل بعضها الى منطقة بيروت لكن بكتل صغيرة". وتابع: "نحن اليوم بإنتظار نتائج المسح الأولية التي قامت بها فرق مركز البحوث العلمية".
التسرّب النفطي وصل الى بيروت!
مدير المجلس الوطني للبحوث العلمية معين حمزة، أشار من ناحيته الى أنّه تمّ تكليف المجلس الوطني للبحوث، الذي ينسّق مع بلدية صور، اجراء مسح للأضرار الناجمة عن التسرب النفطي. وقال: "التسرب موجود بكثافة في منطقة الناقورة ومحمية صور الطبيعية، وقد وصل الى المنطقة ما بين صيدا وصور، حتّى أنّ التسرب وصل الى بيروت منطقة الرملة البيضاء، وهذا ما نحاول التأكد منه وقد ارسلنا فرقنا الى المنطقة". وأضاف: "نحن نحاول الآن توثيق التلوث، وسنرفع الملف الى رئاسة الوزراء التي ستطلب على أساسه مساعدات من جهات دولية لمعالجة التداعيات لأن عملية معالجة الأضرار طويلة ومكلفة جدا، وترفع بموجبه شكوى الى مجلس الأمن بغية الحصول على تعويضات مالية".
وعمّا إذا كان المسح قد اقترب من الخروج بنتائج نهائية، قال: "البحر سيظلّ يرمي الى الشاطئ مخلّفات النفط حتّى نحو 3 أشهر، وبالتالي لا يمكن القول أن لدينا نتائج نهائية للأضرار".
وعن الخطوات التي سيتمّ اتخاذها في مرحلة اولى، قال: "اتفقنا مع بلدية صور، والجمعيات الأهلية في المنطقة، على المباشرة انطلاقا من يوم الجمعة، بجمع الزفت ووضعه في أكياس ضمن شروط بيئية محددة تمّ الاتفاق معها مع وزارة البيئة". وأضاف حمزة في سياق حديثه لـLebanonOn: "سنجمع هذه الأكياس السميكة ونبعدها عن أي تسرب للمياه، ونعمل مع وزارة البيئة للبحث عن زفاتات، تستطيع الاستفادة من هذه المواد لخلطها مع الزفت والبحص، من أجل تزفيت الطرقات".
وأكّد: "هذه العملية ستستمرّ لأكثر من 3 أشهر، والكارثة أصابنا منها الكثير فهي بحجم كبير حتى على الشواطئ الاسرائيلية"، لافتا الى أن "المجلس يعمل على أخذ العينات وتحليلها، ويقوم بعمليات المسح بأفضل الطرق المتبعة وتبعا للمعايير العالمية".
هل تشكّل الأبخرة السامة خطرا على أهالي الجنوب؟
ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية تحذير المسؤولين من ايّة جهود منظمة لعملية تنظيف السواحل الإسرائيلية بسبب التسرب النفطي الذي وصفته بـ"الغامض" وذلك من دون وجود معدات الحماية المناسبة للأشخاص. ووفقا للصحيفة، فإن عددا من المتطوعين المدنيين الذين يعملون على تنظيف الشواطىء من القطران، دخلوا إلى المستشفيات في إسرائيل لأسباب يعتقد أنها استنشاق أبخرة سامة. وإنطلاقا من هنا، تواصل موقع LebanonOn مع الخبيرة في الشؤون البيئية الدكتورة فيفي كلّاب لإستشفاف المسألة، ولإيضاح ايّة خطورة قد تصيب المواطنين في الجنوب اللبناني.
فتشدّد كلّاب على أنّه "لا يمكن ان تشكّل الغازات التي نتجت عن التسرب النفطي ضررا على الانسان كونها تتبخّر بسرعة كبيرة، كما انّ اختلاط النفط بالمياه يخفّف من كثافته ويؤدي الى تبعثره، وبالرغم من ذلك لا بدّ من الإشارة الى انّ اي ضرر يمكن ان يصيب الانسان من جراء هذا النوع من الكوارث منوط بالكمية التي تسرّبت وبحجمها وقربها من الشاطئ من جهة، وبنسبة احتكاك الانسان بها من جهة اخرى".
وعن الإصابات التي وقعت في صفوف الاسرائيليين من جراء استنشاق غازات عقب التسرب النفطي ونقلهم الى المستشفيات، وما إذا كان هذا الأمر يشكل خطرا أيضا على اللبنانيين، تقول كلّاب أنّ "الإصابات في اسرائيل جاءت بعد الاحتكاك المباشر ببقع التسرب، وهذا ما لم يحصل في لبنان". ووفقا لكلّاب، "فإنّ للرمال الزيتية التي تشكّلت على الشواطئ اللبنانية في الجنوب والتي تلوّثت بفعل التسرب النفطي، تأثيرا على التنوع البيولوجي البحري في حال لم تُباشر عمليات المسح والمعالجة بشكل فوري، خصوصا في منطقة صور التي تحتوي على شعاب مرجانية لا يمكن ان نجدها في ايّ منطقة لبنانية اخرى".
الثروة البحرية والسمكية تواجه خطر الزوال...
وتؤكّد كلّاب انّه "بالرغم من انّ النفط قد يتبعثر عند اختلاطه بالمياه وتبخّر الغاز منه، إلا انّه على فترة طويلة، سيتحلّل ويتسرّب الى قعر البحر ويؤثّر على الدورة الحياتية للأسماك والمخلوقات البحرية الاخرى، حيث تتلوث الشعاب المرجانية والـ"Phytoplankton" ايّ العوالق البحرية وتفقد بالتالي الأسماك الصغيرة مصدر طعامها، ما يؤدي الى اندثارها، ومعها الأسماك الكبيرة التي تتغذى على الصغيرة منها، وبالتالي يفقد لبنان كل أنواع الأسماك الفاخرة التي إمتازت بها هذه المنطقة، ولا يمكن ان ننسى الضرر الكبير على السلاحف البحرية على الشاطئ التي نفتخر انّ منطقة الجنوب تشكّل موطنا لها".
"كشط الجلد" من أضرار الإحتكاك المباشر بالزفت
وعن الأضرار التي يمكن ان يسبّبها النفط الذي وصل الى الشاطئ في حال احتكّ به الانسان من دون "كفوف وقائية"، خصوصا بعد انتشار صور توثّق ذلك، تؤكّد كلّاب انّه يمكن ان يصيب الانسان حساسية معيّنة على الجلد، وهي تتراوح بين المستوى البسيط "كالإحمرار والحكّة"، والمستوى البليغ الذي قد يتسبّب بكشط الجلد في حال كان الاحتكاك بالزفت أو المواد النفطية كبيرا، موضحة انّ "تقييم الأثر البيئي للتلوث بالنفط يحتاج اقلّه الى 10 سنوات وما فوق".
وفي غياب ايّ خطّة استباقية لمثل هذه الكوارث، تنتظر الدولة اللبنانية المنهارة نتائج الأبحاث التي يقودها المجلس الوطني للبحوث العلمية، لكي تتجه بها الى الدول الاجنبية والمنظمات الدولية لعلّها تكسب "إكرامية" لمعالجة الكارثة التي تهدّد الحياة البحرية والثورة السمكية في الجنوب قبل فوات الأوان.