يبدو ان لعبة الدولار ليست وحدها ما يضرب قطاع اللحوم في لبنان، بعد ان وصل كيلو اللحمة الى 80 الف ليرة لبنانية. اذا نشرت مؤسسة MDPI دراسة جديدة توضّح نسب تلوّث لحم البقر في لبنان بالقولونيات البرازية (fecal coliforms) وجرثومة الإشريكية القولونية (Escherichia coli). واذ، تشير الدراسة الى انّ "لحوم البقر، وبما في ذلك اللحم المفروم النيء، من بين أكثر منتجات اللحوم استهلاكًا"، فهي تنبّه الى امكانية أن يكون لحم البقر المفروم مصدرا مهما للأمراض التي تنقلها الأغذية، وهذا بحسب الدراسة يشكّل مصدر قلق كبير لأن سلامة الغذاء في لبنان تعاني من تحديات كثيرة.
الدراسة جاءت بعد تحليل 50 عينة من اللحوم المأخوذة من ملاحم ومتاجر لبنانية، وجرى قياس انتشار وكميات القولونيات البرازية والإشريكية القولونية لتقييم القبول الميكروبيولوجي للحوم البقر المفروم في لبنان، حيث كشفت ايضا انّ الجراثيم الموجودة في اللحوم المأخوذة للمعاينة لديها مناعة كبيرة، ما يصعّب سبل معالجتها.
نسب وأرقام بحسب الدراسة
وتناولت الدراسة مؤشرات البراز الحيواني الذي يحتوي جرثومة Escherichia coli، وتبيّن أن 98% من العينات تحتوي على البراز القولوني، في مقابل ظهور جرثومة العصيات القولونية في 76% من العينات. أما مؤشر "وحدة عدد المستعمرات" في علم الأحياء الـCFU في العينات المأخوذة فأتى كارثياً، اذ تراوح مؤشر البراز القولوني في العينات بين 6.3X 104 و1.62X107 CFU في كل غرام. امّا مؤشر الـCFU جرثومة العصيات القولونية تراوح بين 4.5X103 و3.48X107 في الغرام.
وبعيدا عن هذه الأرقام التفصيلية، لماذا جرثومة الـ Escherichia coliخطيرة؟ وكيف تؤثّر على صحة الإنسان؟ كيف يمكن تجنّب انتقال العدوى في حال حصلت؟ وكيف تنتقل؟
اللحوم في لبنان ملوّثة وغير مطابقة للمواصفات
موقع LebanonOn توجّه بهذه الأسئلة الى البروفيسور في علم الجراثيم محمود حلبلب، الذي اكّد بداية انّ "وجود جرثومة الـEscherichia coli مع Fecal coliforms يعني ان اللحوم ملوثة ببقايا من الانسان وانّها غير مطابقة للمواصفات"، مشيرا الى انّ "هذه الجرثومة موجودة في الجهاز الهضمي عند الانسان وتحديدا في البراز وعادة لا تسبّب أمراضا خطيرة، ولكن وجودها يدلّ على امكانية وجود جرائيم اخرى مصدرها براز الانسان وممكن ان تكون مضرة جدا".
وفي الاطار عينه يقول حلبلب: "يجب ان نعرف انّ الجهاز الهضمي لدى الانسان يحتوي على كيلو ونصف تقريبا من الجراثيم، ما يعني انّ براز الانسان مليء بها". ويضيف: "بما انّ الـEscherichia coli موجودة من ضمنها يعني انّ ايّ جرثومة خطيرة ممكن ان تنتقل الى الطعام لا سيما اللحوم النيئة. كما يمكن لهذه الجرثومة ان تكون موجودة ايضا على أسطح الخضار والفواكه في حال كانت تُسقى من مياه المجارير التي تحتوي بدورها على براز الانسان".
جرثومة "E coli" من نوع (O157H7) هي الأخطر
وبالرغم من انّ الدراسة لم تأت الّا على ذكر انواع جرثومة الـE Coli، لفت البروفيسور حلبلب الى انّ "هناك عدة انواع من جرثومة الـEscherichia coli، منها ما يسبب اسهالا حادا مصحوبا بوجود كميات كبيرة من الدمّ، وبعضها الآخر يؤدّي الى التهاب في المجاري البولية، واخطر هذه الجراثيم هي الـEscherichia coli O157H7 التي تكون موجودة عادة في لحوم البقر".
ويشرح البروفيسور حلبلب انّ "براز البقر هو الحاضن لهذا النوع من الجراثيم، ويمكن ان يتلوّث لحمها اثناء ذبحها؛ كما يمكن ان تنتقل العدوى للإنسان وهو بدوره قابل لأن يعدي أشخاصا آخرين"، مضيفا انّ "من 10 الى 100 خلية فقط من جرثومة الـEscherichia coli O157H7 كافية لأن تصيب الانسان بسلسلة من الامراض:
-اسهال قوي مع وجود للدمّ بكميات كبيرة.
-فشل كلوي.
-فشل في الدماغ (في النوادر).
وتابع: "اذا استمرّ هذا الاهمال وانتقلت العدوى من شخص يحمل هذه الجرثومة في جهازه الهضمي الى لحم البقر سيشكّل تهديدا بإصابة كل من يتناول اللحم الملوّث ويسبب الامراض التي سبق وذكرناها".
وأوضح البروفيسور حلبلب في سياق حديثه لموقع LebanonOn انّ "الـsurface area في قطعة اللحمة الكبيرة الـSteak تكون قليلة، لكنّها تصبح أكبر بكثير عندما نفرمها وتصبح قابلة لأن تحمل عددا اكبر من البكتيريا والجراثيم".
الحرارة قد لا تقضي على الجرثومة
وأرجع حلبلب "تلوّث اللحوم في لبنان الى كون مَن يستخدمها قد لوّثها نتيجة عدم نظافته، او نتيجة احتكاكها مع الأسطح الملوّثة حيث يتم تحضير اللحوم، او حين استخدامها في آلة فرم غير نظيفة تماما".
وأضاف: "عند الطبخ في احيان كثيرة، لا تصل النيران الى وسط قطع اللحمة المفرومة، وبالتالي لا يمكن التأكيد أن البكتيريا قد ماتت بفعل الحرارة، اضافة الى انّ عددا كبيرا من اللبنانيين يأكلون اللحوم بشكل نيء، اذا، لو الحرارة الداخلية لم تكن عالية وكافية لقتل الجراثيم ستكون اللحوم قابلة لحمل العدوى".
ارشادات لتجنّب الاصابة بالـE Coli...
ووجّه البروفيسور محمود حلبلب سلسلة نصائح يجب اتّباعها من اجل حماية اللحوم من التلوّث ولمنع الجراثيم من الانتقال الى الانسان، وفنّدها على الشكل التالي:
-المراقبة المهمة على food handling.
-المحافظة على النظافة الشخصية.
-الابتعاد قدر المستطاع عن اكل اللحوم النيئة.
-اعتماد معايير صحية اثناء ذبح البقر لكي لا تنتقل الجراثيم من جلد الحيوان او برازه الى داخل لحمه.
-التنظيف المستمرّ للأسطح حيث تجهّز اللحوم للطعام...
المضادات الحيوية العشوائية عزّزت قوة الجراثيم
وختم حلبلب بأنّه "لدينا مشكلة في استخدام المضادات الحيوية بشكل مفرط عند الحيوانات، حتى لو لم يكن هناك حاجة، ما يؤدي الى خلق نوع من المقاومة عند البكتيريا ويصبح لديها مناعة قوية في جسم الحيوان بحيث نصل الى فقدان القدرة على معالجة الحيوانات في حل اصيبت بأية جرثومة او فيروس، ومعالجة الانسان كذلك ايضا في حال انتقلت العدوى اليه".
اذا، إن ظهور "الإشريكية القولونية" المقاومة للأدوية المتعددة في اللحوم يسلط الضوء على أهمية اعتماد وتنفيذ سياسات للحد من استخدام المضادات الحيوية في الإنتاج الحيواني الغذائي في لبنان والبلدان التي يستورد منها، فهل من يسمع؟