مع تفاقم الوضعين المالي والاقتصادي في لبنان منذ اكثر من سنة حتّى الآن، يبحث المعنيون ومن هم في السلطة عن ايّة حلول تعيد التوازن الى الحلقة الاقتصادية بعد ان سقطت في دوامة الفساد، وفشلت امام لعبة الدولار. ومن بين الخيارات التي طرحها بعض الخبراء والمسؤولين بيع جزء من احتياطي الذهب او رهنه مقابل ادخال ملايين الدولارات لتحسين واقع الليرة اللبنانية التي تدهورت قيمتها الشرائية امام تصاعد سعر الدولار.
وكان من ابرز الداعين الى اللجوء لإحتياطي الذهب النائب السابق لحاكم مصرف لبنان، غسان العياش الذي اكّد في تصريحات سابقة له انّ "بيع قسم من احتياطي الذهب بعدما تم التفريط في قسم كبير من الاحتياطات بالعملات الأجنبية، قد يساعد جزئياً في إعادة تكوين الاحتياطي النقدي لمصرف لبنان الذي جرى هدره لتمويل الميزان التجاري والطلب الخاص على العملات الأجنبية". وليس العياش فقط، اذ يعتقد رئيس مركز "الدولية للمعلومات" جواد عدرا أنه "حان الوقت للتفكير باستخدام الذهب لإعادة هيكلة الاقتصاد وحماية الناس، شرط أن لا نبدده لتسديد الدين ولا لتمويل الهدر وأن يكون ضمن خطة شاملة".
فهل الوقت مناسب اليوم لبيع جزء من احتياطي الذهب او رهنه؟ هل نحن بحاجة الى قوانين جديدة تتيح للدولة او المصرف المركزي التصرف بهذا الاحتياطي؟ ماذا عن العوائق؟ وهل من حلول اخرى؟
قيمة احتياطي لبنان من الذهب تبلغ 19 مليار دولار
للوقوف عند هذه الأسئلة وغيرها، تواصل موقع LebanonON مع الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، الذي اعرب عن رفضه لفكرة رهن او بيع احتياطي الذهب لدى الدولة اللبنانية، خصوصا في ظلّ غياب حكومة فاعلة، ووسط غياب تامّ لخطّة اقتصادية واضحة، مشيرا الى انّ "احتياطي الذهب لدى لبنان يبلغ 19 مليار دولار (وفقا لسعر أونصة الذهب في السوق)"، ايّ ما يعادل 286.6 طنا من المعدن الاصفر، ما يجعل لبنان بين الدول العشرين الأولى في العالم الأكثر استحواذاً على الذهب.
القانون اللبناني يحمي احتياطي الذهب
واكّد عجاقة انّه "لا يوجد قوانين في لبنان تسمح برهن احتياطي الذهب او بيعه، لا بل انّ القانون رقم 42 الصادر عام 1986 يمنع بيع الذهب، وبالتالي لا يمكن للدولة اللبنانية وحتى مصرف لبنان ان يتصرفا بإحتياطي الذهب من دون العودة الى تشريعات جديدة او تعديل القانون الموجود".
وتابع: "من الصعب جدّا ان يقوم مجلس النواب بتشريعات جديدة تتيح للدولة اللبنانية ان ترهن احتياطي الذهب لديها او تبيع جزءا منه، وذلك يعود الى عدّة أسباب:
اسباب داخلية: انّ القوى السياسية المتمثّلة في البرلمان اللبناني ليست متفقة جميعها على تعديل القانون او تشريع قوانين جديدة، وذلك نسبة الى المواقف المتباينة من عملية بيع او رهن الذهب.
أسباب خارجية: قد تضغط دول اجنبية على البرلمان اللبناني من اجل عدم الاقدام على هذه الخطوة، من باب عدم وجود خطّة اقتصادية واضحة للدولة اللبنانية، وانطلاقا من الأسئلة التالية: "ماذا سيحصل بعد تسييل الذهب؟ اين ستصرف الأموال التي ستجنيها الدولة من عملّية البيع"؟
الرأي العام أصبح قويا ويتأثّر بشكل كبير بأي خطوة ستقدم عليها الدولة، خصوصا بعد موجة الفساد الاخيرة التي عاشها الشعب اللبناني منذ سنة حتى الآن، وبسبب انعدام الثقة بين السلطة والمواطنين؛ فلا أستبعد ان تندلع تحركات شعبية في حال قرّرت الدولة او مصرف لبنان رهن احتياط الذهب او بيع جزء منه"، يقول عجاقة.
كل محاولات استرجاع الذهب باءت بالفشل
انّ معظم احتياطي الذهب العالمي ومن بينه احتياطي لبنان موجود في مستودع السبائك الأميركية المعروف بـFort Knox، بحيث انّ ايّ عملية بيع لإحتياط الذهب ستكون اكثر من معقّدة خصوصا وانّ دولا كثيرة من بينها المانيا وتركيا وهولندا حاولت استرداد جزءا من احتياطها الّا انّ كل هذه المحاولات باءت بالفشل، ما دفع بالمحلّلين والمراقبين بالتساؤل عمّا اذا كانت هذا الاحتياط موجودا فعلا لدى الولايات المتحدة أم لا.
وبحسب التقارير التي صدرت عن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، فقد برّر البنك تأخير اعادة الاحتياطي الى المانيا مثلا بوجود صعوبات تقنية، ما دفع الاخيرة في نهاية المطاف الى التخلّي عن مطالباتها بحجّة أن نقل الذهب مكلف جدّاً. وفي حالة فنزويلا التي عجزت عن استرداد جزء من احتياطها، فقد تحجّجت اميركا بالعقوبات لمنع فنزويلا من التصرّف بأصولها الخارجية. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل ستقبل اميركا ان تعيد احتياطي الذهب للبنان وهي التي تتّهم حزب الله بالهيمنة عليه؟ هل ستقبل في ظلّ الضغوط التي مارستها من خلال لعبة الدولار؟
الاستفادة من الـ"Gold leasing"
بحسب عجاقة، "يمكن الاستفادة من احتياطي الذهب لدى لبنان عن طريق جعله رافعة مالية لا ببيعه ولا برهنه، وذلك عبر تقنية الـGold leasing ايّ تأجير الذهب". وهذه التقنية هي عبارة عن عملية تقوم بموجبها البنوك المركزية بإقراض الذهب المادي للبنوك مقابل دفع فائدة صغيرة ووعد بسداد الذهب؛ وتتمّ هذه العملية من خلال الـ"Bullion Banks" ايّ بنوك السبائك، وهي تعمل كوسيط بين المقرضين والمقترضين. من هنا يلفت عجاقة الى انّ "لبنان يستطيع ان يستفيد من مدخول ريعي من خلال هذه العملية بنسبة 1% من العائدات".
اذا، مهما كانت خيارات الدولة كثيرة، وسواء اتجّهت لإستخدام احتياطها من الذهب او لم تتجّه، لا يمكن لأي معادلة ان تنجح من دون تنفيذ الاصلاحات التي كثر الحديث عنها، والتي اصبحت مطلبا داخليا وشعبيا وحتّى دوليا. فأين سينجح لبنان اذا حصل على المليارات وذهبت بعد ذلك هدرا وفسادا؟