ما إن كُلّف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لتشكيل حكومة انقاذية جديدة بعد سنة على استقالته عقب اندلاع ثورة 17 تشرين، حتّى بدأ الدولار في السوق السوداء ينخفض تدريجيا بعد ان وصل الى عتبة الـ9000 ليرة في الايام الاخيرة. وتساءل المواطنون عن العلاقة التي تربط انخفاض سعر الدولار بعودة الحريري الى كرسي رئاسة الحكومة.
ويترقّب الجميع ما اذا كان الدولار سينخفض الى ما دون الـ6500 ليرة، مع انطلاق مسار تأليف الحكومة، في حين اقفل سعر الصرف يوم امس عند الـ6850 للدولار الواحد.
فهل ينخفض الدولار اكثر ليصل الى 5000 او 4000؟ ولماذا هذا الانخفاض؟
أسباب انخفاض الدولار عند تكليف الحريري
هذه الاسئلة وغيرها من التفاصيل تطرّق اليها موقع LebanonOn مع الباحثة في الاقتصاد النقدي الدكتورة ليال منصور التي شرحت بداية انّ "ايّ شخص يريد ان يجري عملية تجارية Transaction غير مستعجلة سيلجأ الى ايّ عامل قد يعطيه الوقت ليرى سوق الدولار وسعره ومراقبته دائما، وفي حالتنا اليوم جرى تكليف سعد الحريري لتشكيل حكومة جديدة، والمواطن انتظر وقال "خلينا نشوف" او "خلينا نؤجّل" الى حين جلاء النتيجة، ولهذه العبارات وقعها على الارض وتجعل من عملية بيع وشراء الدولار تنخفض، وهي بالتالي تعكس نسبة الطلب على الدولار في السوق"، مؤكّدة انّ "الانخفاض في الدولار لا يمكنه ان يستمرّ طويلا، فهو آنيّ ومرتبط بحدث ما".
وتابعت منصور انّه "اذا كانت الاستشارات او تشكيل الحكومة او اي من العوامل السياسية الاخرى عند حسن ظنّ الناس، سيخلق هذا الوضع جوا ايجابيا يعدي كل المواطنين بدلا من الخوف واليأس، بينما اذا بقي المواطن متفائلا ليوم او اسبوع او اكثر بتشكيل حكومة سريعا مثلا، ولم تتشكّل الحكومة في نهاية المطاف سيلجأ المواطن الى اجراء العمليات التجارية خشية ارتفاع الدولار مجدّدا ما يزيد من الطلب على الدولار في السوق ويتسبّب بإرتفاعه مرّة جديدة"، لافتة الى انّ "سعر الصرف اقتصاديا ثابت في Range بين 6500 و8000 ليرة لبنانية وهو يتصاعد وينخفض فيما بينهما تبعا للعوامل السياسية والاقتصادية المؤثّرة".
عوامل اخرى
واشارت منصور الى انّ "ضبط سقف السحوبات بالليرة اللبنانية من قبل عدد من المصارف شكّل عاملا ايضا في انخفاض سعر صرف الدولار، وما يجعل سعر الدولار مستقرّا نسبيا في الاسواق هو انّ الطلب عليه داخليا"، مضيفة انّ "لبنان لديه الكثير من الضوابط منها ضوابط المصارف، وضوابط وزارة الخارجية، وضوابط المعاملات مع الخارج، واذا حرّرنا هذه الضوابط سيرتفع حتما سعر الدولار".
وقالت: "يجب ان تعمّ لبنان الاخبار الايجابية وبسرعة كبيرة، لأنها ستكون لمصلحة الشعب والدولار والمصلحة الاقتصادية، اضافة الى الابتعاد عن الخلافات السياسية وتشكيل حكومة ترضي المواطن والخارج؛ وما يؤكّد ما اقوله انّ الدولار انخفض الى 6 آلاف و800 ليرة بمجرّد أن تمّ تكليف سعد الحريري لتشكيل الحكومة".
هل يمكن ان ينخفض الدولار الى 5000؟
اكّدت الدكتورة منصور أنّ "عودة الدولار الى 5000 آلاف ليرة او اقلّ أمر صعب جدا حتى لو تمّ تشكيل الحكومة، لأنّ هذا الانخفاض مرهون بكميّة مليارات الدولارات التي ستتدفّق عن طريق المساعدات الخارجية سواء عبر "سيدر" او صندوق النقد الدولي او حتى عن طريق الهبات، ومرهون ايضا بورشة اجراءات اصلاحية تتضمّن سيولة البنوك، دمج المصارف مع بعضها وتصغير عدد فروع المصارف".
وشدّدت منصور على انّ "إغراق لبنان بمليارات الدولارات من الخارج مرتبط بعامل الثقة، ويجب ان يترجم داخليا بثقة المواطن اللبناني بدولته وبسياستها وبمن يديرها، كما يجب ان يترجم خارجيا عن طريق شكل الحكومة وسياسيتها ورؤية الدولة الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية وانطلاقا من هذه العوامل يمكن للدول الخارجية ان تساعد لبنان او تقرضه او تعيد الاستثمارات اليه".
التعاون مع صندوق النقد يعزّز الثقة
ورأت منصور انّ "التعاون مع منظمات عالمية يلعب دورا كبيرا في استرجاع الثقة، كونها تشكّل شهادة خارجية امام كل الشركات والدول والاستثمارات الاجنبية، فأيّ تعاون ايجابي مع صندوق النقد الدولي او البنك الدولي سيعزّز الثقة داخليا وخارجيا"، معتبرة انّ "الاصلاح الاول هو تحسين صورة لبنان عالميا بتعاونه مع صندوق النقد، وبعدها يأتي تنفيذ ما اتفق عليه بين الدولة اللبنانية والصندوق".
وقالت: "انا لست ضدّ برنامج صندوق النقد الدولي بشكل مطلق، لكنّني مع التفاوض بينه وبين الدولة اللبنانية لكي تصل الامور الى الحلول الوسطى".
الـ"Currency board" الحلّ الاخير المتبقّي
وكشفت الباحثة ليال منصور انّها عملت مع النائب بولا يعقوبيان قبل استقالتها على تقديم اقتراح قانون متعلّق بالـ"Currency Board"، معتبرة انّ "تنفيذه هو الحلّ الوحيد، وهو ما تبقّى لدينا من حلول".
وتابعت: "الـCurrency board هو تثبيت للعملة، وينفّذ حصرا في الدول التي تفتفد للثقة مع شعوبها والمجتمع الدولي، وتثبيت العملة من خلال هذه المنظومة محميّ 100% بغضّ النظر من هو حاكم مصرف لبنان، وحتى لو بقي السياسيون انفسهم في السلطة".
ولفتت منصور الى انّ "هذه المنظومة تجيز حماية الليرة اللبنانية بالدولار، وتمنع حاكم مصرف لبنان من اتخّاذ اي قرار استنسابي؛ ونحن لا نضع الملامة على حاكم المصرف المركزي، ولكنّه يشكل الوسيط بين الدولة والقطاع المصرفي، واذا أُلغيت صلاحيات الحاكم، عندها لن تتمكّن الدولة من التعامل مع القطاع المصرفي لأنّها تكون قد فقدت الوسيط بينهما".
واكّدت انّ "تطبيق هذا القانون يخلق فور تطبيقه اعلى نسبة ثقة ممكنة، وهذا الامر طبّق في اكثر من دولة وضعها اسوأ من لبنان وكانت النتائج جدا مشجّعة، ولكن اذا اردنا تطبيق الـ"Currency board"، فيجب ان يكون سعر الصرف شبيه بما هو عليه الآن اي بين الـ6000 والـ8000 ليرة".