اطلقت شمس الغنية نجوى كرم اغنية جديدة بعنوان "بيروت" من كلمات الشاعر الكبير روجيه فغالي، والحان وسام الأمير وتوزيع داني حلو. وتأتي هذه الأغنية اهداء للعاصمة اللبنانية الجريحة التي استهدفها انفجار الإهمال والذي قتل العشرات من اهلها، وشرّد مئات الآلاف. لكن، و"لو خلصت السّاعات وتغيّرت الأزمنة وضاعت الأماكن وانهَدّت الحضارات"، لبنان "بضلّ" بعيون نجوى كرم "لبنان الحياة".
اذًا، قرّرت نجوى كرم ان تؤرّخ بصوتها هذه المرحلة الأليمة التي مرّت بها بيروت، من خلال اغنية خرجت من عباءة الـ"Cliche" نحو موضوع يحمل رمزية كبيرة وبغاية الأهمية، حيث انطبع في كلماتها علم البيان عبر البحث في كل ما هو مشترك بين انتفاضة بيروت من رمادها من جهة، وقيامة السيد المسيح من جهة اخرى.
ومن صفير البوارج كانت الانطلاقة. هدرت في البحار نحو المرفأ المنكوب، وقدّمت تعزيتها بالشهداء الذين سقطوا وضجّت بهم الاخبار في كل العالم. الوضع حزين عندما رست هذه البوارج، تماما كالأغنية التي حبست كلماتها في مطلعها بالألم والأنين وشعور الغربة في البلد الذي ضاق على شعبه في اقهر الظروف، ولم يجد معونته الا على متن هذه البوارج. ومن ناحية الصورة، إنّ طلة البوارج من عمق البحر شاخصة مسارها نحو المرفأ، تعيد الى الأذهان طلّة الأمّ المفجوعة التي خرجت لتلاقي نعش ابنها الشهيد، فيما تحيط بها مجموعة من الناس التي أتت لـ"أخذ الخاطر".
كرم التي لم تفقد يوما الأمل بالإنتصار على الازمات، وبأن يصبح لبنان وطنا يحتضن شبابه، يأوي كباره، ويرسم مستقبلا زاهرا لصغاره. وبهذا الأمل دحرجت بيروت الحجار عنها، بعد ان فتّشت البوارج وكلّ من كان على متنها عن ايّ قبر بين كومة الردم وحجارة الدمار، ولكن مهلا، من قال ان بيروت قد ماتت؟ ومن رأى بيروت عبر التاريخ تّتسع في صندوق خشبي؟ فكانت القيامة لهذه العاصمة في يوم النكبة الثالث، ليضفي الشاعر روجيه فغالي المزيد من الأبعاد الالهية لهذه الاستعارة المغنّاة بصوت كرم التي وضعت حب بيروت ولبنان في اعلى منزلة بعد حبّ الله.
ومع اجتهاد الموزّع الموسيقي داني حلو الذي رسم المعنى التضميني لكلمات الاغنية، فجاء مزيجا من العنفوان والصلابة والحزن والأمل وما يرافقه من جوّ القيامة الذي حتما سيصيبك بالقشعريرة، وبالخوف من المعاناة التي تمكّن من تجسيدها بتشكيلة موسيقية وبقالب مزج بين الرصانة والطرب، والأصالة والمعاصرة.
وبغصة، دعت شمس الغنية بيروت الى لملمة جراحها وإعادة لمّ شمل اهلها وناسها الذين تشردوا في اعقاب الكارثة: " بيروت لمّي ولادِك يلّا، انتِ إمّ الدنيي كلّا". ومع هذه النقلة في المضمون يتغيّر اللّحن ايضا، ليعكس الاصرار على هذه الدعوة، ويرادفه في الوقت نفسه صوت كرم المليء بالشجن والاحساس وكأنّ الدموع انهمرت من عينيها اثناء تسجيل الاغنية؛ "دموع الوجع تارة، ودموع الفرح بالقيامة والأمل تارة اخرى".
لم تنس كرم ايضا، معاتبة المسؤولين وتوبيخهم بغضب، وهي التي وصفتهم برسالة سابقة بأولاد الأفاعي، فقالت لهم: "يا صالبين الحق والانسان... يا مفرقين الناس بالأديان". وبعد العتب كان التحدي. التحدي بالإيمان والمحبّة "وما فيكن تقتلوا لبنان"، لأنّ "لبنان عايش بقلب الله".
وبالعودة الى عنصر الصورة، كانت تحية الى 20 معلَما ونابغة في مختلف المجالات: من صباح ووديع وفيروز وسميرة توفيق، الى شوشو وجورجينا رزق وحسن كامل الصباح، فبيبلوس وبعلبك وبيت الدين. وكان لافتا انّ الفيديو لم يتضمّن الكثير من لقطات الدمار والانفجار الكبير، بل ركّز على المناطق الجميلة في لبنان والتي سبق لكرم ان سلّطت الضوء عليها في حملة "لبنان الحياة" عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يُذكر انّ الشاعر روجيه فغالي الذي كتب هذه الاغنية هو ايضا شاعر اغنية "ليش مغرّب" التي صدرت منذ اكثر من 15 سنة والتي سلّطت الضوء على وجع الناس في ظلّ الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الصعبة، وفي ظلّ وعود المسؤولين الكاذبة والذين لا يزالون منذ ذلك الوقت وما قبله، وحتى الآن ينحرون بالمواطن اللبناني.