لا تنتهي فصول معاناة اللبنانيين في الخارج، ففي كلّ دولة اجنبية تجدهم يُسحلون تحت وطأة الغربة بعد ان ضاق لبنان بطموحهم ولقمة عيشهم. ولا يمكن انكار تأثير جائحة كورونا في مضاعفة هذه المصاعب التي اجبرت معظمهم على تبديل اساليب الحياة والرضوخ الى أساليب جديدة قد لا تناسبهم في الكثير من الاحيان.
وفيما الصمت الاعلامي يخيّم تجاه لبنانيي القارة الاميركية الجنوبية، قرّر موقع LebanonOn ان يكون اول موقع لبناني عربي يتواصل مع ابناء الجالية في البرازيل والباراغواي للإطلاع على اوضاعهم في ظلّ ازمة كورونا، وتبعات الازمة الاقتصادية وتأثيرها عليهم. ولذلك تواصل موقعنا مع الصحافي الملمّ بأوضاع اللبنانيين في الدول اللاتينية علي فرحات، الذي اطلعنا على الكثير من المعطيات والمشاكل التي يواجهها اللبنانيون هناك.
اللبنانيون في البرازيل تعرّضوا لنكبة كبيرة!
يشير فرحات بداية، الى انّ "اللبنانيين الذين يعملون في المناطق الداخلية في البرازيل، تأثروا كثيرا بسبب جائحة كورونا، ولكنّهم استمرّوا بأعمالهم بالرغم من الخسائر الكبيرة التي تعرّضوا لها نتيجة الاغلاق، وضرب العملة وانهيارها في وقت قياسي". واكّد انّ "معظم اللبنانيين ذي الحال الاجتماعية المتوسطة قد تعرّضوا لنكبة كبيرة بعد ان ضاعفت كورونا خسائرهم، وأصبحت العديد من العائلات تحت خط الفقر، ما دفعها للشعور بالحاجة الى المساعدات من "الاخوان" في الجالية الذين مدّوا لها يد العون. وبالرغم من كل هذه المشاكل تمكّن بعض اللبنانيين من استعادة اعمالهم بالحدّ الادنى، كون البرازيل لم تبقِ على سياسة الاقفال الداخلية لمدة طويلة".
فقدوا التواصل بمراكز أشغالهم...
ويلفت فرحات الى انّ "هناك قسما آخر من اللبنانيين مرتبطا بالجاليات التي تعمل في المناطق الحدودية، وهي تعتبر ثاني اكبر جالية لبنانية في البرازيل، وتحديدا في مدينة "فوز دو ايغواسو" التي تقع في المثلث الحدودي بين الباراغواي والارجنتين والبرازيل"، مضيفا انّ "هؤلاء اللبنانيين تحديدا، يعيشون في "فوز دو ايغواسو" لكنّ معظمهم لديه اعمال في مدنِ دولة الباراغاوي، التي تقع على الحدود الجنوبية الغربية للبرازيل، فينتقلون صباحا ومساء من والى اعمالهم".
ويتابع: "عندما أُقفلت الحدود بين البلدين، وهي بالمناسبة لا تزال مقفلة بسبب فيروس كورونا، فَقَدَ الللبنانيون الذين يعيشون في هذه المناطق الحدودية التواصل بمراكز اشغالهم، فتعرّضوا الى نكسة كبيرة لا سيما على الصعيد المادي، خصوصا وانّ هذه العائلات تعيش في مناطق حيث المعيشة باهظة على صعيد التعليم والطبابة، لذلك كانت هذه المشكلة بالنسبة لهؤلاء اكبر من اللذين يعملون في المناطق الداخلية مثل مدينة ساو باولو".
خطر وهروب عبر الأنهار...
وإزاء كل هذه الضغوط، يتابع الصحافي علي فرحات سرده لتبعات الاغلاق بسبب كورونا، مشيرا الى انّ "بعض اللبنانيين اضطروا الى عبور الحدود نحو الباراغواي بطرق غير شرعية، وذلك من خلال عبور النهر الذي يفصل بين الدولتين، أو عبر وسائل اخرى، وذلك لكي يتمكّن من الوصول الى اعادة تشغيل اعماله للتخفيف من خسائره، الأمر الذي اجبره على استئجار منزل جديد في الباراغواي وعلى البقاء بعيدا عن عائلته الموجودة في البرازيل".
وتشكّل الرحلة غير الشرعية بحسب فرحات، خطرا على حياة اللبنانيين الذين يقررون العودة الى اعمالهم في الباراغواي، خصوصا من يعبرون النهر بقوارب صغيرة وغير محصنة كليا، مؤكّدا أنّ "الوضع لا يختلف كثيرا في الباراغواي عن البرازيل من ناحية الحياة المهنية، فمن تمكّن من الوصول الى شركته او مركزه يعمل بالحدّ الادنى، ووفقا للمعايير التي تفرضها السلطات المحلية هناك، بهدف تسيير تجارته في الأسواق قدر المستطاع، مع انّ الامر يبقى غير كاف للإستمرار في العيش الكريم والسليم".
توقيفات في صفوف اللبنانيين: اذلال وتركيع واضطهاد
يردف فرحات في سياق حديثه، الى انّ "هناك بعض حالات التوقيف في صفوف اللبنانيين الذين حاولوا العبور بين البرازيل والباراغواي بطرق غير شرعية، حيث تعرّضوا لمشاهد اذلال كبيرة على يد بعض العناصر الأمنية، و"الحرامية" الذين يقبعون عند الحدود"، لافتا الى انّه "جرى تركيعهم ووضعهم على الصفحات الاولى من الصحف والاخبار".
ويصف فرحات هذا الوضع بإعتبار التعاطي مع اللبنانيين وكأنهم مجرمين، مشدّدا على انّ "اللبناني كان يعيش حالة سيئة جدا من الاضطهاد على المستوى المعنوي والنفسي وحتى العملي، وهو لا يزال حتى الآن يعيش هذه الحالة مع استمرار اغلاق الحدود".
1200 اصابة كورونا بين لبنانيي البرازيل والباراغواي
وفي احصائية غير نهائية حصل عليها موقع LebanonOn فإنّ عدد الاصابات بكورونا بين اللبنانيين في البرازيل بلغ 1000 اصابة تقريبا، اكثريتها الساحقة كانت اصابات خفيفة؛ فيما احتاجت 8 حالات حرجة اجهزة التنفس. امّا في الباراغواي، فتشير الارقام الى وجود قرابة الـ200 اصابة.
امّا على صعيد الوفيات، سُجّلت 8 حالات وفاة في صفوف اللبنانيين هناك، جميعهم من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
موظفو القنصلية اللبنانية في ساو باولو اقفلوا "الخطوط" في وجه المتصلين
وعند سؤالنا عن التعاطي الرسمي اللبناني ازاء كل هذه المشاكل، يجيب علي فرحات بأنّ "السفارة والقنصليات اللبنانية لم ولا ترقى الى مسؤولية التعاطي مع المواطنين اللبنانيين كمواطنين درجة اولى يحتاجون الى الرعاية، والوقوف الى جانبهم (معنويا)، وتسهيل امورهم اقلّه على صعيد الاداري (وثائق، سفر...).
ويتابع: "القنصلية في ساو باولو لم تكن تردّ على اتصالات اللبنانيين، والموظفون يتعاطون مع الناس بفوقية "ويقفلون الخطوط في وجههم"، بحجة الضغط الكبير على الاتصالات. ونحن بدورنا، وجّهنا انذارا بخصوص هذا الأمر وقمنا بحملة واسعة، الّا انّ الوضع تحسّن بشكل لا بأس به وجرت بعض التسهيلات".
ويؤكّد فرحات انّ "البرازيل كانت مغيّبة الى حد كبير من خريطة التعاطي الايجابي من قبل السلطات اللبنانية على صعيد ارسال الطائرات لإجلاء الرعايا"، مشدّدا في هذا السياق على انّ "عملية اجلاء الرعايا من البرازيل في اول طائرة وصلت الى هنا، جرت عن طريق المحاصصة ووفق مبدأ "6 و6 مكرّر"، الأمر الذي شكّل صدمة كبيرة لدى الجالية اللبنانية، خصوصا وإنّ غالبية من عادوا الى لبنان في أول رحلة لم يكونوا من ذوي اصحاب الحاجات الملحّة للسفر".
اتهامات بدعم منظمات ارهابية
وبالإنتقال الى الحديث عن مشكلة التحويلات التي يعاني منها سائر اللبنانيين المغتربين، يقول الصحافي علي فرحات انّ "لبنانيي البرازيل والباراغواي يعانون من هذه المشكلة كما الجميع، مع الاشارة الى انهم يتعرضون الى هذه الضغوط منذ فترة جدا بعيدة، نظرا الى الحملات الاعلامية الشرسة والظالمة التي يتعرضون لها منذ احداث 11 ايلول، والتي تتهمهم بدعم المنظمات الارهابية، وذلك بمشاركة بعض وسائل الاعلام العربية واللبنانية للأسف".
ونتيجة لذلك يتعرّض اللبنانيون هناك وفقا لتصريحات فرحات لـLebanonOn الى ملاحقات دقيقة جدا فيما يخصّ موضوع التحويلات؛ فكلّ من يريد ان يحوّل المال، عليه ان يقدّم تصريحات عن مصدر أمواله وعن الجهة التي يحوّلها اليها. وجراء ذلك، عمد عدد كبير من التجار اللبنانيين في البرازيل، الى تحويل اموالهم الى المصارف في لبنان على مدى 4 سنوات تقريبا، بإعتبار انّ الوطن اضمن لهم، الى ان حصلت كارثة المصارف وعلِقت اموالهم داخلها. وختم فرحات جازما انّ "ابناء الجالية في البرازيل والباراغواي هم اكثر المتضررين من حجز الأموال في لبنان".