لا تزال عملية الكرّ والفرّ بين المودعين والمصارف اللبنانية مستمرّة منذ سنة تقريبا. فقد حجزت المصارف على ودائع الناس من دون سابق انذار، على خلفية الازمة المالية والاقتصادية التي تشهدها البلاد لأوّل مرة في تاريخها الحديث. ومع كل انهيار لليرة اللبنانية، تحكُم المصارف قبضتها على اموال الناس الذين باتوا يستحصلون عليها بـ"الشحادة"، او الواسطة، او عن طريق التهديد و"المشكل" في حال تطلّب الأمر.
ولا يُخفى على احد تأثيرات هذا الوضع على مختلف جوانب حياة المواطن اللبناني، كما انّ العامل الجغرافي لم يتمكّن من الصمود امام هذا النزاع المستجدّ؛ اذ يعاني اللبنانيون الموجودون في الخارج من تبعات هذه الازمة، لا سيّما الطلاب منهم الذين فقدوا القدرة على تأمين تسديد أقساط التعليم وبدلات الإيجار وكلفة المعيشة...
لبنانيون يلجؤون الى المحاكم البريطانية
ومن باب الأمل واسترداد الحقّ، لجأ اللبناني بلال خليفة الموجود في بريطانيا الى تقديم دعوى قضائية ضدّ احد البنوك اللبنانية، فحكمت المحكمة العليا البريطانية بقبول الدعوى. وانطلاقا من هنا يوضح العضو في رابطة المودعين فؤاد دبس في حديث لموقع LebanonOn انّ "ما حصل هو انّ المحكمة العليا البريطانية قالت للمودعين انّ المحاكم البريطانية لديها الصلاحية للسير بهذا النوع من الدعاوى القضائية"، معتبرا انّ "الامر قد يكون مماثلا الى حدّ كبير في كل محاكم الاتحاد الاوروبي، لكن قد يتغيّر في نهاية العام الحالي مع خروج بريطانيا من الاتحاد ما قد يفرض اطرا وقوانين جديدة ومختلفة".
هل هذه الخطوة ممكنة في لبنان؟
وفيما اعتبر اللبنانيون في اوروبا عموما، وفي بريطانيا خصوصا انّهم سجلوا الهدف الأوّل في مرمى المصارف، يحتدم المشهد اكثر فأكثر مع اشتداد الازمة المالية في الداخل اللبناني الى حدّ خنق المواطن وتجريده من حقه ورزقه.
ويشير دبس الى "انّ مثل هذه الخطوات في لبنان تضع ضغطا نوعا ما على المصارف، لكن تبقى الخشية من ان تخلق المحاكم اجتهادات قانونية بما يخدم الطرف الاقوى ايّ المصارف"؛ لذلك، يرى دبس انّ "الضغط الخارجي يمكنه ان يؤثر على المصارف اكثر من المحاكم المحلية كون القضاء لدينا ليس مستقلا ولا يتمتّع بالشفافية المطلقة".
سعي الى دعاوى قضائية جماعية...
وتعمل رابطة المودعين التي تحمل في برنامجها شعار "حماية ودائعنا يتطلب تعاضدنا في وجه من أساء الأمانة"، على المساهمة بقدر الامكانيات المتوفرة لديها بحماية حقوق المودعين في لبنان. وبين المودع والمحكمة، يؤكّد دبس انّ "الرابطة تساعد كل المحاولات الفردية التي تسعى الى استعادة اموالها من المصارف، والآن نعمل على جمع اكبر قدر ممكن من المواطنين الذين يريدون استعادة اموالهم من خلال رفع دعاوى قضائية جماعية في وقت واحد".
ويتابع: "نواجه خوف المودع اللبناني من ان يكون امام مواجهة المصارف في القضاء، كونه يعتبر ان ّ القضاء ليس نزيها ويتعرّض لضغوط سياسية؛ لكنّنا نعوّل على الخطوة كونها ستشكّل ضغطا كبيرا على القضاء وعلى المصارف في آن واحد، ويجب على الجميع ان يتشجّع وان لا يخاف كوننا لا نفعل شيئا الّا بالمطالبة بحقنا".
ماذا عن تعاميم "الدولار الطلابي"؟
يعتبر فؤاد دبس انّ "التعاميم الاخيرة الصادرة عن المصرف المركزي، والمتعلّقة بـ"الدولار الطلابي" مخالفة للدستور، فلا يمكن من خلال هذه التعاميم ان نميّز بين الناس، ولا يحق لأيّ جهة كانت ان تحدّد سقف الاموال التي نريد سحبها من حساباتنا".
ويسأل دبس: "هل يعقل لطالب لبناني في اميركا ان يسحب 10 آلاف دولار في السنة ليدفع قسط جامعته التي تكلّفه 70 الف دولار؟"، مشدّدا على انّ "القوانين اللبنانية والدستور لا يكفلون وضع ضوابط على حسابات الناس المصرفية".
ويلفت دبس الى انّه "وبالرغم من هذه التعاميم، فإنّ اكثرية المصارف لا تطبّقها"، وقال: "لا ننظر الى امكانية ضغط يمارسه مصرف لبنان على المصارف لتطبيق هذه التعاميم، كونهما ولجنة الرقابة على المصارف بالنسبة لنا هم في خانة واحدة، فالحل الوحيد هو بالتوجه الى القضاء بالرغم من انّ سير العمل فيه بطيء جدا بسبب الضغوط السياسية والمصرفية".
وبينما يغنّي كلّ على ليلاه، تغيب الحلول الجدية لهذا الواقع المتأزّم. فلا خطط واضحة، ولا اصلاحات على السكة الصحيحة؛ وبدلا من ان يبدأ اللبناني يشعر بالراحة بعد رحلة من المعاناة قوامها الزمني سنة، يجري الاعلان بشكل صريح عن رفع الدعم عن المواد الاساسية، ما يهدّد لقمة عيش المواطن، ودواء اوجاعه في ظلّ الاستمرار باحتجاز امواله. فهل فقد المعنيون حياءهم الى هذه الدرجة؟ هل ماتت ضمائرهم؟ ماذا ينتظرون اكثر من ذلك؟ وأين الخطة الاقتصادية؟ أين الحلّ الشامل؟