بات معلوماً أنّ تطبيق القانون في لبنان يتمّ وفق ما تقتضيه المصالح والظروف، فهو عرضة للتعديل في بعض جوانبه.
ففي لبنان تتبع سياسة جنائيّة غب الطلب، إذ قد يضغط طرف مؤثّرٌ لحماية مصلحةٍ معيّنةٍ تبرّرها ضرورة ٌ مستحدثة أو حالة ملحّة في ظروف طارئة، فيطبّق القاضي نصّاً قانونيّاً يعتبر فيه ما يسيئ إلى هذه المصلحة جرماً جزائيّاً.. حتّى إذا ما زالت الضرورة او الظروف الطارئة عمد إلى تطبيق أصولٍ جزائيّة أخرى للحدّ من شدّة الإجراء الذي اعتمدهُ أو حتّى إلغائه.
وعليه يمكن القول أنّ نطاق القانون في لبنان واسع جدّاً، وقد يؤثّر الوصف ايضاً على طريقة الملاحقة، فالوصف يحدّد الإختصاص كما وأصول الملاحقة وقد يحيل إلى أصولٍ خاصّة فيما لو تبيّن أنّ الجريمة وفق الوصف المعطى لها من صلاحيّة محكمة جزائيّة إستثنائيّة كالمجلس العدلي.
وتأكيداً على ذلك تراجع المحقق العدلي في قضيّة انفجار المرفأ عن قرار الموافقة على نقل مدير عام الجمارك بدري ضاهر من مكان توقيفه في سجن الريحانيّة إلى مكان عائد لإدارة الجمارك بعدما كان وافق خلال النّهار على إتمام عمليّة النقل بعد موجة الإعتراضات التي ضجّت مواقع التواصل الإجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك استمع المحقّق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، يوم الخميس المنصرم، إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، في إطار التحقيقات الجارية لكشف ملابسات الفاجعة وأسبابها،كما وأنّه قرّر الإستماع إلى وزراء الأشغال و المال و العدل الذين تعاقبوا على الوزارات منذ دخول نيترات الأمونيوم حرم المرفأ بصفة شاهد مع الإشارة إلى عدم قدرته على توقيف ايّ منهم أو حتّى الإدّعاء عليهم كون ذلك يخرج عن إختصاصه، ولتمتّعهم بحصانةٍ وزاريّة تغطّي كل تقصير ناتج عن العمل في الوزارة.
وقد طالت التوقيفات المدير العام للنقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي، ورئيس مجلس إدارة المرفأ حسن قريطم، والمدير العام للجمارك بدري ضاهر، و 3 عمال سوريين كانوا تولوا قبل ساعات من الانفجار تلحيم الفجوة.
بالإضافة إلى أربعة ضبّاطٍ هم العميد انطوان سلّوم سلّوم، الرائد داوود منير فيّاض، الرائد شربل كمال فواز، الرائد جوزيف ميلاد الندّاف الذي يعتبر الضابط الأكفأ كونه أعدّ التقارير الأمنيّة ونظّم محضراً عدليّاً ووضع مدعي عام التمييز بالصورة واستحصل منه على إشارةٍ قضائيّة و قام بتنفيذ مضمونها.
ولكن هل يترجم عمل المحقق العدلي بإجراءاتٍ عمليّة تخرجنا من موجة المراوغة غير المجدية، والتي قد تكون مجحفةً بحق بعض الموقوفين الذين أتموا عملهم دون أي تقصير؟ فعلى سبيل المثال يتفق الجميع على أنّ جهاز أمن الدّولة، ومن خلال الضابط المسؤول عن المرفأ قد قام بواجبهُ الأمني والقانوني، في حين أنّ هناك شبهات عديدة تحوم بحقّ مدير مخابرات بيروت السابق ومدير مكتب قائد الجيش السابق وقائد الجيش السابق الذي كان المسؤول العسكري الأكبر في المرحلة التي تم فيها إدخال نيترات الامونيوم، تضاف إلى امتلاك هؤلاء حساباتٍ ماليّة بأرقامٍ خياليّة.
المهمّة ليست سهلة إنّما لا بدّ من المحاولة ليطمئنّ الناس و يشعروا بأنّ هناك دولة وراءها قانون يوصل كلّاً إلى حقّه. لا إعتراض على الإجراءات و التوقيفات إذا كانت الأدلّة شبه اكيدة، إنّما الخوف راسخ من حالة الشبهات فقط. فطرق التحقيق وإظهار الحقيقة يجب ان تتمّ وفق معايير إنسانيّة طالما انّ هناك شكاً بالمسؤوليّة وقد يكون الموقوف بريئاً. كما وأنّ التوقيفات لا يجب أن تطال فقط من هم دون منصاب قياديّة، ودون حصاناتٍ سياسيّة.