احتفل لبنان في 27 شباط الفائت بإطلاق أعمال حفر أول بئر نفطي، معلنا حينها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان هذا اليوم دخل التاريخ وسيذكره حاضر لبنان ومستقبله. ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم، وبالرغم من انّ نتائج الحفر النهائية كانت يجب ان تُنشر بعد شهرين من الحفر الّا انّنا لا نزال الى الآن لا نعرف حقيقة التأخير الحاصل في إعلان شركة "توتال" لتقريرها النهائي المفصّل حول نتائج الاستشكاف في البلوك رقم 4.
تحليلات اعلامية واخرى استراتيجية تعيد بنا الى دائرة الضغوط الأميركية على لبنان في ظلّ التعثّر في الوصول الى اتفاق مع اسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية. وفيما يؤكد الرئيس عون في حديثه بمناسبة مئوية لبنان الكبير انّ ظروفا سياسية تقع خلف التوقف عن استخراج النفط، تحدّثت اطراف داخلية في اوقات سابقة عن انّ لا موارد نفطية وغازية في بحر لبنان وانّ كل ما يجري هو مجرّد اوهام لإستغلالها في السياسة الدخلية وتسجيل النقاط فيها.
فماذا حصل بالضبط؟ ولما كل هذا التأخير؟ هل تقف اميركا فعلا وراء هذا الأمر؟ وهل شرّعت "توتال" ابوابها للدخول في عملية الضعط السياسية الدولية على لبنان ان حصلت فعلا؟ الكثير من الأسئلة تطرح في هذا الاطار ولا اجوبة واضحة عليها، لذلك توجّه موقع LebanonOn بها الى مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لوري هايتيان لمحاولة ايضاح كل هذه المسائل الشائكة.
تحديد المواعيد وعدم الإلتزام بها
ترى هايتيان انّ "التعاطي مع كل الملفات المتعلقة بقطاع النفط والغاز في لبنان هو جديد كليا بالنسبة الينا، سواء بالنسبة للسياسيين او لهيئة قطاع البترول او حتى المجتمع المدني والمواطنين، خصوصا مع بداية المباشرة الفعلية للعمل في هذا القطاع"، لافتة الى انّ "الشائع المشترك الذي لاحظناه منذ البداية حتى اليوم، هو تحديد المواعيد وعدم الإلتزام بها".
وتُرجِع هايتيان اسباب هذا الأمر الى الظروف السياسية وضغوطاتها احيانا، والى أسباب تقنية واخرى متعلقة بطبيعة العمل في هذا القطاع احيانا اخرى؛ مشيرة الى انّ "موعد وصول الحفارة قد تأخّر بسبب عملها الاضافي في مصر، فكان كل يوم عمل اضافي هناك كان يرتب علينا يوم تأخير لوصولها الى بيروت والمباشرة في العمل لدينا، وكذلك كان الأمر بالنسبة للتأخير في جولة التراخيص الأولى لأسباب سياسية حينها".
توقعات النجاح في عملية الحفر في "البلوك 4" كانت 20% منذ البداية
تؤكّد هايتيان انّ "ما يحصل اليوم هو انّ المسؤولين قد اعلنوا انّ بعد شهرين من عملية الحفر في البلوك رقم 4 ستصدر شركة توتال التقرير النهائي عن النتائج التي وصلت اليها، وهنا يجب ان نلفت الى وجود تقريرين للشركة وهما "التقرير الأولي" و"التقرير النهائي". وتشدّد هاتيان على انّ "توتال قد اصدرت بالفعل تقريرها الأولي الذي اثبت وجود آثار للغاز في البئر المحفور ولكن لم يتمّ العثور على مكمن للغاز كما كانت الشركة تتوقّع مع العلم انّ توقّعات النجاح في عملية الحفر لم تتخطّ الـ20 بالمئة منذ البداية".
وتضيف: "هدف الشركة كان محاولة ايجاد مكامن للغاز شبيهة بتلك المكتشفة في قبرص واسرائيل، والبحث عن نفس النوعية وهذا ما لم يجدوه. اما التفاصيل الجيولجية فتأتي في التقرير النهائي المفصّل وهو بالمناسبة لن يكون متوفرا للمواطنين وفق ما اعنلته الهيئة، انما سيكون متاحا للدولة فقط للاحتفاظ به على شكل "داتا"، وحتّى الآن لم يصدر ايّ بيان عن ايّ مسؤول في الدولة يؤكّد تلقيه هذا التقرير".
النتيجة محسومة: لا كميات تجارية من الغاز في البئر المحفور
وتشير هايتيان الى انّ "التقرير الأولي الذي يتضمن نتيجة الحفر في بئر في البلوك رقم 4 لقد حصلنا عليه، وفيه النتيجة النهائية المتمثلة بعدم وجود كميات تجارية او كميات كبيرة قابلة للإستخراج، وهذه الحقيقة لن تتغيّر مع صدور التقرير النهائي المفصّل لشركة توتال، بل هي باتت محسومة".
وتتابع: "التقرير النهائي سيشمل تفاصيل اضافية متعلقة بالقراءات البيولوجية لعملية الحفر وما اكشتفوه في البئر، بالإضافة الى نتائج تحاليل العينات المأخوذة والتي قد تعطي مؤشرا للشركة من اجل الحفر في بئر آخر في البلوك 4 وتجديد فترة الاستشكاف الى عامين اضافيين". وفي هذا السياق، تلفت هايتيان الى انّ "مرحلة الاستكشاف الأولى بحسب العقد تنتهي في أيار 2021، واذا شجّعتهم الدراسات على الحفر في بئر آخر، يمكن تمديد فترة الاستشكاف الى 2023، من هنا تأتي اهمّية التقرير المفصّل".
وعن نظرية ان يتوجه لبنان الى حفر آبار شبيهة لبئر "تامار" في اسرائيل، وبئر "أفروديت" في قبرص، تؤكّد هايتيان انّ "هذا ما حصل في لبنان، فقد اختارت توتال البلوك رقم 4 انطلاقا من المسوحات التي قد اجراها لبنان في وقت سابق، وعليه وبسبب عدم اكتشاف الكميات المتوقعة، تضع الشركة نفسها أمام اعادة تقييم للـ"مودم" الخاص بها واجراء قراءات جديدة لدراستها وتطويرها بالاعتماد على النتيجة النهائية المفصلة لعملية الحفر في البلوك 4، ما يوفّر لها رؤية اوضح وتجعل القائمين عليها يفهمون اكثر هذه المسوحات من اجل اي عملية حفر اخرى في المستقبل".
هل ردمت توتال البئر في البلوك 4 بطلب أميركي؟
وفي الحديث عن ضغوطات اميركية على شركة "توتال" في لبنان لعدم الاعلان عن نتائج الحفر في بلوك رقم 4، تجدّد هايتيان تأكيدها انّ "التقرير الأولي للشركة قد صدر بالفعل وهذا ما يدحض هذه الفرضية، مع العلم انّ الضغط السياسي دائم موجود لا سيّما في الوضع الاقتصادي والسياسي السيء الذي نمرّ به في لبنان". وتضيف: "حتّى لو تم العثور على كميات تجارية من الغاز، فإن عملية الانتاج مؤجلة تماما بسبب الآثار السلبية لجائحة كورونا على قطاع النفط والغاز في العالم، وتدني مستويات الطلب الى ارقام قياسية من هنا يأتي خوف الشركات من المزيد من الخسائر".
امّا عن امكانية طلب أميركا من الشركة ردم البئر الذي حفرته في البلوك 4، فتعتبر هايتيان انّه "من الطبيعي جدا قيام توتال بردم البئر الذي حفرته، كون لا يمكن لأي شركة ترك المواد المستشكفة ولو بكميات قليلة تتسرّب في مياه البحر"، مشيرة الى انّ "ردم البئر سيتمّ حتى لو تم اكتشاف كميات تجارية، وذلك الى حين وضع خطط الاستكشاف الاضافية وخطط الانتاج".
ماذا لو كذبت "توتال" على لبنان وزوّرت تقريرها؟
ترى هايتيان انّ "الكلام عن انّ توتال بدّلت التقارير وكتبت أخرى فيها معطيات كاذبة تفيد بعدم وجود الغاز والنفط في اطار لعبة اميركية ضدّ لبنان امر لا يمكن ان نتخايله، فالشركة لديها انتشار عالمي ولن تقبل بالدخول في مثل هذه اللعبة وتسبب الضرر بمصالحها وصيطتها".
وتقول: "في نظرية قريبة الى هذه التحليلات والقراءات، وفي حال توتال كانت فعلا قد وجدت الكميات المتوقعة من الغاز، فهي بإمكانها التحجج بعدم القدرة على التسويق بما انّ الاسواق النفطية مضروبة، او انّ الكميات المكتشفة لا تتمتع بقيمة اقتصادية واستخراجها يرتّب عليها تكاليف طائلة، انّما ان تجد توتال الغاز وتقول انها لم تجده فقط لسبب انّ هناك ضغوطا اميركية، فهذا أمر بعيد كثيرا عن الحقيقة ومستحيل، لأنّ اي عملية تزوير من قبل توتال سيضرّ فيها بشكل كبير خصوصا انّ الموضوع ليس بـ"مزحة".
وختمت هايتيان حديثها، معتبرة انّه "وفي حال صحّت هذه الفرضية، وكانت الدولة اللبنانية على علم بالموضوع، فيجب على الجهات المُحاسِبة مساءلة توتال والوزارة المعنية في الملف، ويجب تلقائيا وقف الطلب اليها العمل في البلوك رقم 9".