كثُرت التكهنات والتحليلات في الفترة الاخيرة حول انفجار مرفأ بيروت، حيث تناولت سيناريوهات مختلفة عن كيفية حصول الانفجار وخلفيته. وفيما التحقيقات القضائية المحلية تمضي على مسار بطيئ، لم يتمّ حتى الآن الوصول الى حقيقة مطلقة تشرح تفاصيل الحادثة الأليمة، والتي لا تزال منطوية تحت 3 فرضيات أساسية: حادث (قضاء وقدر او اهمال اداري)، عمل تخريبي، او قصف اسرائيلي.
واشارت مؤخرا احدى التحليلات الى انّ انفجار مرفأ بيروت هو سقوط للبنان في حرب موانئ طريق الحرير الجديد، وان وصول الاسطول الفرنسي معززا بـ700 جندي ما هو الّا اثبات لمحاولة فرنسية من اجل الردّ على تهديد مصالحها في المنطقة التي تشكّلها الشراكة الاقتصادية الايرانية الصينية.
فهل أطلقت فرنسا العنان لحرب اقتصادية في الشرق الاوسط انطلاقا من لبنان؟ هل فعلا سقط لبنان "شهيدا" لحرب موانئ طريق الحرير الجديد؟ وهل يمكن القول انّ لبنان دفع الثمن اليوم من خلال انفجار المرفأ بمجرّد التفكير بالإتجاه شرقا؟
على فرنسا التوجه الى طهران لا الى بيروت في هذه الحال!
يؤكّد الاعلامي اللبناني المتخصّص بالشأن الصيني ومدير موقع "الصين بعيون عربية" محمود ريّا في حديث لموقع LebanonOn انّ "الشراكة الاقتصادية الايرانية الصينية ليست جديدة، بل موجودة منذ فترة طويلة وان دخلت بمراحل سلبية او ايجابية حسب الظروف، ولكن هي بشكل عام ثابتة ومستقرّة منذ انتصار الثورة في ايران تقريبا، وهي مؤهلة ومرشحة لأن تشهد تطورات كبيرة جدا من خلال الاتفاقية التي يتم الحديث عنها بقيمة 400 مليار دولار والتي يُفترض ان تعزز الشراكة الاقتصادية بين البلدين"، مشيرا الى انّ "هذه الشراكة لا تأتي ابدا على حساب اي دولة اخرى في العالم، ولذلك من الصعب الربط بين هذه الاتفاقية والعلاقات الفرنسية الاقتصادية في منطقة شرق المتوسط".
ويرى ريّا انّه "من المفترض انّ الاسطول الفرنسي في لبنان قد جاء لمهمّات انسانية، وكذلك الاساطيل الاجنبية الاخرى وليست لمهّمات استراتيجية او جيوسياسية معينة. امّا اذا كان الفرنسيون حسّاسين جدا تجاه العلاقة بين ايران والصين، وارادوا إبطال هذه العلاقات من الثغر اللبناني فهذا يكون بعيدا جدا عن التفكير السياسي السليم"، لافتا الى انّ "العلاقات الصينية الايرانية ستكون على مستوى دولتين وليست علاقات على مستوى الاقليم، من هنا اذا ارادت فرنسا محاربة هذه العلاقة عليها ان تقوم بذلك في طهران وليس في بيروت".
مرفأ بيروت "شهيد" طريق الحرير؟
وفي اشارة الى النظرية التي تحدّثَت عن انّ "مرفأ بيروت شهيد طريق الحرير"، وانّ التعزيزات العسكرية الاجنبية على الساحل اللبناني قد جاءت بعد سقوط لبنان في حرب موانئ الخط الاقتصادي الذي تعمل عليه الصين منذ سنوات، يعتبر رياّ انّ "هناك الكثير من النظريات السياسية التي تُطلق من قبل بعض الخبراء والمحلّلين، وهناك الى حدّ ما نوع من ادخال الخيال في الواقع؛ فليس لبنان بجبهة حرب بين طريق الحرير والتوجه نحو الغرب، وهو لم يصل الى هذه المرحلة بعد".
ويضيف: "هناك الكثير من المواقع الاستراتيجية والجيوسياسية العالمية الاكثر قربا من لبنان الى منطق الحرب، في حال افترضنا ان هناك حربا اصلا، لذلك فإنّ اعتبار انّ ميناء بيروت قد ذهب ضحية لحرب موانئ طريق الحرير يفترض مسألتين".
ويفنّد ريّا هاتين المسألتين من وجهة نظره على النحو التالي:
- "حسم الجواب عن انّ هذا الانفجار الأليم والمؤسف الذي حصل في مرفأ بيروت هو انفجار متعمّد ومقصود وفيه نفس اجرامي وارهابي او سياسي عالمي، لكنّ هذه المسألة ليست محسومة حتّى الآن، ومازالت التحقيقات مستمرّة".
- ويشير الى انّ "المسألة الثانية تتمثّل بأنّ الصين منخرطة في لبنان بصراع سياسي وصراع عسكري، وانطلاقا من هنا اجزم انّ الصين ليست الآن في موقع حرب سياسية او اقتصادية او استراتيجية انطلاقا من لبنان او من الشرق الاوسط، فهي لديها جبهات اخرى تولي الاهتمام لها".
دور كبير امام مرفأ بيروت في الخطوط الاقتصادية العالمية
ويؤكّد الخبير في الشؤون الصينية محمود ريّا انّ "مرفأ بيروت منشأة اقتصادية مهمّة جدا للبنان ولمنطقة غرب آسيا كلّها، وسيكون له دور كبير جدا في الكثير من الخطوط الاقتصادية العالمية ومنها بلا شكّ طريق الحرير الجديد الذي ينطلق من الصين ويصل الى اوروبا مرورا بمختلف الدول ومنها لبنان"، معتبرا انّ "وضع مسألة ما حصل في بيروت في اطار الصراع على موانئ طريق الحرير فيه الكثير من التجنّي ومن خلط الأوراق السياسيّة".
ويقول ريّا: "مرفأ بيروت تعرّض لإنفجار مازال مجهول المصدر، ومجهول الكيفيّة وهل هو مقصود او غير مقصود، وبالتالي تركيب سيناريوهات عسكرية او جيوستراتيجية على هذا الانفجار يحتاج الى الكثير من المعطيات التي لا تتوفّر لأي من المحلّلين"، مشدّدا على انّ "البدء بالحديث عن معارك عسكرية او استراتيجية انطلاقا من نقطة مرفأ بيروت هو امر يحتاج الى دراسة كبيرة وبالتالي لا يمكن اثبات هذا الامر او نفيه الا بالدلائل وهي حتّى الآن غير موجودة".
هل مطلوب ان تكون دبلوماسية البوارج هي المتبعة من قبل كل دول العالم؟
وفي سياق الحديث عن سبب عدم ارسال الصين لبوارج عسكرية الى الساحل اللبناني على غرار ما قامت به فرنسا وبريطانيا، يردف ريّا مستغربا: "هل كان يفترض على الصين ان ترسل البوارج العسكرية الى الساحل اللبناني لكي يظهر اهتمامها بلبنان؟ ام كان يكفي ان ترسل المساعدات وابداء الاستعداد للعمل من اجل ترميم المرفأ واعادة بناء ما تمّ تديمره؟ هل مطلوب ان تكون دبلوماسية البوارج هي المتبعة من قبل كل الدول في العالم؟"
واذ يؤكّد ريّا انّ "الصين تعتمد سياسة خارجية مختلفة تماما عن السياسات التي تعتمدها العديد من الدول الاخرى"، واصفا ايّاها بـ"السياسة التي تقوم على المصلحة المشتركة وبناء المجتمع وفق المصير المشترك للبشرية، وعلى بناء سياسة قائمة على معادلة (رابح رابح) وليس على أساس اللعبة الصفرية"؛ ويلفت الى انّ "كل هذه المسائل تسمح لأن نقول بأن الصين تحضُر في لبنان بشكل طوعي، وبشكل بعيد عن التحالفات وعن الطمع الذي يمكن ان يكون موجودا في النقطة الاستراتيجية المهمّة للبنان، وهي قدّمت الكثير من العروض في أكثر من مجال وتنتظر موافقة الحكومة اللبنانية عسى ان يكون في ذلك فائدة للبلدين وللشعبين الصيني واللبناني".
اذا، لا فرضية لا تشوبها شائبة، سيّما بعد ان دحض ريّا النظرية المفترضة المتعلّقة بإنفجار المرفأ بالحرب الاقتصادية في المنطقة او في حرب موانئ طريق الحرير. ومع مرور قرابة الشهر على هذه الحادثة، لا خيوط واضحة بعد الى العلن، فيما التحقيقات لا تزال غافلة عن كبار المسؤولين. ومن هذه الفرضية الى فرضيات تحدثنا عنها في مقالات سابقة، وتحدث عنها الاعلام بشكل عام، هل يبقى انفجار مرفأ بيروت في مرتبة الفرضيات ويتحوّل الى "لغز بربروسا" جديد؟