ينازع لبنان منذ سنة تقريبا بسبب ازمته الاقتصادية والمالية الحادّة التي يمرّ بها لأول مرّة في تاريخه. مشاكل كثيرة فاقمت الوضع، بدءا من ثورة 17 تشرين، الى جائحة كورونا، فإستقالة حكومة سعد الحريري وبعدها حكومة حسان دياب، وصولا الى انفجار بيروت. ولا تخلو هذه القفزات المجهولة التي تمرّ بها البلاد، من غياب خطط النهوض واستراتيجيات الدفاع الاقتصادي؛ فشحّ الدولار، وارتفعت الأسعار، وانقطعت الكثير من الموارد والسلع في الأسواق وتضاعفت نسب البطالة والفقر والهجرة.
ولكن! الكارثة الحقيقية لم تقع بعد. 3 اشهر تفصلنا عن المصيبة الاكبر اذ قرّر مصرف لبنان رفع الدعم عن المواد الرئيسية التي نستوردها والتي تشمل بشكل أساسي الدواء والمحروقات والقمح. وفي هذا السياق تؤكّد مصادر موقع LebanonOn المعلومات التي سبق وتمّ تداولها عن انّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد أبلغ حكومة حسان دياب قبل استقالتها انه لن يستطيع الاستمرار بدعم المواد المذكورة لأكثر من 3 أشهر.
فماذا سيحصل بعد هذه المُدّة؟ كيف ستنعكس تداعيات الازمة على المواطن والاقتصاد بشكل عام؟ وهل من حلول لتفادي الوصول الى هذه المرحلة التي يصفها مراقبون بـ"الكارثة الحقيقية"؟
قرار رفع الدعم اتُّخِذَ فعلا!
موقع LebanonON تواصل مع الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة الذي اكّد انّ موضوع رفع الدعم، قرار حقيقي وجدّي الى ابعد الحدود، مشيرا الى انّ "المجلس المركزي لمصرف لبنان قد اتّخذ القرار بوقف الدعم بعد 3 اشهر بسبب وصولنا الى مستوى الاحتياط الالزامي، الذي لا يستطيع مصرف لبنان استخدامه بحكم انّ هذه الاموال هي اموال المودعين، وكونها تشكّل ضمانة القطاع المصرفي واستمرار الودائع"، لافتا الى انّ "العامل الاساسي لوصولنا الى هذه المرحلة، هو أنّه لا يوجد دولار واحد يدخل من الخارج".
وأرجَع عجاقة سبب ذلك، الى "اعلان الحكومة عدم سداد سندات اليوروبوندز في 7 آذار الفائت، وانّها لم تَحسُب تداعيات هذا القرار على احتياطي مصرف لبنان، وبالتالي منذ ذلك الوقت الدولارات الوحيدة التي بقيت موجودة في لبنان بالاضافة الى احتياطي المصرف المركزي، هي تلك التي يحوّلها المغتربون عبر الـOMT ومكاتب التحويلات الخارجيّة الاخرى".
وشرح عجاقة انّ "مصرف لبنان كان يقوم في الفترة الاخيرة اي منذ بدء الأزمة، ومن خلال الاحتياط الذي يملكه بتمويل الاستيراد، وتمويل فيول كهرباء لبنان، والخدمات التي تشتريها الدولة من الخارج كمكاتب الاستشارات، اضافة الى دفاعه عن الليرة اللبنانية بسبب طلب بعض الجهات ضخ الدولارات في السوق، ومدّ القطاع المصرفي بالدولارات عند الحاجة".
اسعار السلع والخدمات سترتفع بشكل خيالي
ورأى عجاقة انّ "المجتمع الدولي كان واضحا لجهة انّ لبنان لن يحصل على دولار واحد من دون اصلاحات، وبالتالي اذا لم تتشكل الحكومة بأسرع وقت، واذا لم تقم بأيّ خطوات اصلاحية، فنحن ذاهبون الى وضع حرج وأسوأ من الواقع الحالي".
وفي آخر التقارير المتداولة عن القدرة الشرائية لدى المواطن، تشير الأرقام الى انّ اللبناني فَقَدَ حتى الآن ما يقارب الـ60% من قدرته الشرائية. من هنا، قال عجاقة انّ "كل الاسعار سترتفع عندما يتم رفع الدعم وبشكل كبير، وستزيد بين 3 او 5 اضعاف عن الاسعار الحالية وهي تشمل كل السلع والخدمات بما فيها الدواء، والانترنت، والقروض، والبنزين، والتعرفة الجمركية، وبطاقات تشريج الهواتف، والضريبة على القيمة المضافة"، مؤكّدا انّ "هذا الأمر سيقضي على المواطن الذي هو أصلا قد فقد الكثير من قدرته الشرائية جراء الازمة التي نمرّ بها".
وتابع: "الاقتصاد لم ينهار بعد، لكننا ننبّه وبشكل واضح وصريح، الى انه وبعد 3 اشهر هناك كارثة آتية لا محال والحل موجود بتشكيل حكومة تقوم بالاصلاحات المطلوبة منها وهذا كل ما في الامر"، معتبرا انّ "مسار تشكيل الحكومة لن يكون سهلا ابدا، وسيتخلله معوقات كثيرة، لذلك نطلب من جميع المعنيين ان يتحلّوا بالوعي الكافي في هذه الفترة العصيبة والدقيقة التي نمرّ بها".
وعن احتمالية ايّ ضغط سياسي على المصرف المركزي لتأجيل قرار رفع الدعم، شدّد عجاقة على انّ "لا احد يستطيع فعل ذلك، لأن الواقع أصبح محكوما بمعادلة انّ ايّ مسّ بالاحتياط الالزامي (17.5 مليار دولار) هو ضربة قاضية للقطاع المصرفي وودائع المواطنين".
عجز الدولة في اول 5 اشهر من هذا العام: 4 آلاف مليار ليرة
واشار البروفسور عجاقة الى "وجود مشكلة اخرى ألا وهي انّ مصرف لبنان يدفع عجر موازنة الدولة الذي بلغ في اول 5 اشهر من هذا العام 4 آلاف مليار ليرة"، لافتا الى انّ "الدولة فقدت القدرة على الاستدانة لأنّها اعلنت افلاسها بعد القرار غير المسؤول للحكومة السابقة بالتخلف عن دفع سندات اليوروبوندز؛ وامام هذه الحالة كلها، مصرف لبنان لم يعد بإستطاعته الاستمرار بنفس الوضع ولا بنفس الوتيرة".
ما هي الاصلاحات المطلوبة؟
واوضح عجاقة انّ "القطاع الخاص مخول بتوفير حلقة مالية للبلد لأنّه القطاع الذي يملك الأموال، لكن تبقى المشكلة في عدم ثقته بالسلطة السياسية ولا حتّى بالاقتصاد"، مؤكّدا انّ "اهم خطوّة في مسار استرجاع الثقة، هي استقلالية القضاء".
واضاف: "من الخطوات السريعة التي تفيد هذه المرحلة، تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي يكفلها القانون انما هو بحاجة الى مرسوم تطبيقي، بالاضافة الى العمل على زيادة ايرادات الدولة وبذل الجهود لتخفيض الإنفاق".
الانذار الاخير اذا قد اُطلق فعلا، وعلى الدولة التحرك السريع في مهلة باتت واضحة وما سيترتّب عن الازمة "الكارثة" في حال لم يحرّك احد ساكنا ايضا أصبح واضحا. "ما خلونا" لن تطعمنا خبزا. التأرجح تارة بالبقاء في مجلس النواب وتارة بالاستقالة لن يشتري لنا الدواء. وحتى الجهاد الزراعي لن يجدي نفعا لأن المواطن اللبناني وفي حال وصل الى تلك المرحلة يكون قد تهالك حتى الرمق الاخير.