محمد دهشة - نداء الوطن
لم يتردّد السوري يزن شناعة طويلًا في حزم حقائبه، فقد كان وقع نبأ سقوط نظام بشار الأسد كجرسٍ يدق أبواب الأمل في قلبه. أبلغ عائلته بفرحٍ كبير: "طبول العودة قُرعت!"، وأعلن عزمه على العودة إلى مدينته حلب، تلك المدينة التي حملت بين أزقتها ذكريات طفولته، قبل أن تجبره الأحداث الأمنية على مغادرتها والنزوح إلى لبنان حيث عاش سنواتٍ كناطورٍ في أحد المباني السكنية في الجنوب، ينتظر العودة وهي تتأرجح بين الأمل واليأس.
وقال يزن لـ "نداء الوطن" بابتسامةٍ امتزجت بالدموع: "فرحتي لا توصف. ما حدث هو تحوُّلٌ تاريخيٌّ في سوريا، وولادةٌ لحقبةٍ جديدة. نأمل أن تكون مليئةً بالسلام والعمل، لنعيش فيها بحريةٍ وكرامةٍ طال انتظارها".
وأضاف: "إن قلبي لا يتوقف عن الخفقان سريعاً. إن طريق العودة إلى حلب لا يعني فقط الرجوع إلى المدينة، بل العودة إلى الذات، إلى الانتماء، وإلى وطنٍ لم يفارقه في قلبه يوماً".
ويزن واحدٌ من مئات السوريين في الجنوب الذين قرروا العودة إلى سوريا بعد سقوط النظام، وهم الذين تذوقوا مرارة الحرب الإسرائيلية على لبنان قبل أسابيع قليلة. نزحوا قسراً إلى مراكز الإيواء ومواقف السيارات وأرصفة الطرقات، في رحلة ترحالٍ جديدة بدت كأنها فصلٌ آخر من المعاناة التي لا تنتهي.
وسط هذه اللحظات المتناقضة، عبّر ياسر المحمد، وهو عامل بناء يعمل مياوماً في صيدا، عن مشاعره لـ "نداء الوطن" قائلاً: "فرحتي بالحقبة الجديدة كبيرة، لكنني سأنتظر بضعة أشهرٍ إضافية قبل العودة. أحتاج إلى رؤية الأوضاع تستقر في سوريا أولاً، فعملي هنا في البناء هو مصدر رزقي الوحيد، وعلى عاتقي عائلةٌ مكوّنةٌ من خمسة أفراد. لا يمكنني المخاطرة بترك عملي دون أن أضمن بديلًا يتيح لي مواصلة تأمين حياةٍ كريمةٍ لهم".
صمتٌ ومسيرة
والسوريون في صيدا ليسوا وحدهم من عبّروا عن فرحهم بسقوط النظام، إذْ وفيما التزمت القوى السياسية الصمت وفضلت عدم التعليق على الحدث التاريخي كعادتها، ارتفعت التكبيرات من مآذن مساجد المدينة في أكثر من وقت صلاة، وهي تعبيرٌ عن الفرح مثل العيد، بينما حرصت "الجماعة الإسلامية" على تنظيم مسيرةٍ سيارةٍ حاشدة شارك فيها المئات من أنصارها ومؤيديها.
وحيا نائب رئيس المكتب السياسي لـ "الجماعة" في لبنان الدكتور بسام حمود "انتصار الثورة في سوريا"، مشيداً بـ "هذا الإنجاز التاريخي"، مثمِّناً "النضج السياسي والقيم الإسلامية والأخلاقية التي تحلّوا بها، والتي تجلّت بالمسؤولية العالية في التعامل مع المواطنين والأملاك العامة والخاصة".
ووجّه حمود رسالةً إلى الداخل اللبناني، فدعاه إلى "تلقف هذا التطور الإيجابي في قلب صفحة الحرب في سوريا وإسقاطه على الواقع اللبناني، بطي صفحة تداعيات الثورة السورية من خلال مراجعاتٍ للمواقف، ومصالحاتٍ داخلية، وإطلاق سراح كل من أُوقف في لبنان بسبب تأييده لثورة الشعب السوري".
وقال: "لا زلنا في لبنان نعيش تداعيات العدوان الصهيوني النازي الذي مارس إجرامه قتلاً وتدميراً، وواجهناه إلى جانب كل المقاومين، وجسّدنا أروع ملاحم المقاومة والصمود والوحدة، وتجاوزنا فيه كل خلافاتنا السياسية دفاعاً عن وطننا ومساندةً لأهلنا في غزة، واليوم يجب أن يكون الإنجاز السوري وأخلاقياته دافعاً لنا لتجاوز حقبة الماضي، ونعمل على رفع المظالم ورفض الفتن والعمل على انتشال وطننا من مستنقع الفراغ والفساد، وبناء مؤسساته الدستورية، وتمتين الوحدة الداخلية في وجه أطماع العدو الصهيوني الذي يتربص بنا شرّاً".