عزت ابو علي - LebanonOn
عناوين حزينة للأخبار، هكذا يصف الروس حال أيامهم اليوم مع الأنباء السيئة المتواترة من مقاطعة كورسك الروسية المحاذية للجبهة مع أوكرانيا بفعل الاقتحام المفاجئ لقوات كييف وتوغلها في عمق الأراضي الروسية لمسافات تصل إلى 70 كيلو متر.
خبر صعق الروس الذين لم يشهدوا هذه الفاجعة منذ أن هزموا الزعيم النازي أدولف هتلر منذ 80 عاماً.
فكل استعراضات القوة والترويج للردع الروسي لم يقف حائلاً بوجه توغل الجيش الأوكراني في الاراضي الروسية على الرغم مما تعرَّض له هذا الجيش منذ حوالي عامين ونصف تاريخ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية.
ولكن لماذا يتوجس الروس من شهر آب حتى صار لعنة بالنسبة لهم؟
يُعتبر آب بأنه من الشهور السيئة في حياة البلاد على تخوم القرنين العشرين والحادي والعشرين، ففي الثاني عشر منه في العام 2000 غرق بحارة الغواصة النووية كورسك لتفتتح روسيا الألفية بهذا النبأ الحزين الذي أرخى بظلاله طويلاً على الوجدان الروسي نتيجة الفساد يومها في المؤسسة العسكرية.
وفي هذا الشهر اهتزت الاتحاد السوفيتي بمحاولة أراد فيها الحرس القديم تقويم ما اُعتبر انحرافا عن خط الحزب الشيوعي على يد آخر زعيم سوفياتي ميخائيل غورباتشوف فانتهت الحركة الهزيلة بتفكك وانحلال الدولة السوفيتية العظمى خلال ثلاثة أيام هزت العالم في العشرين من آب 1991، وكادت المحاولة المتعثرة أن تشعل حرباً أهلية في بلد كان يملك حينها أكثر من ثلاثين ألف رأس نووي وترسانة من السلاح التقليدي تعد الأضخم في العالم.
وبالإضافة إلى كارثة انحلال الاتحاد السوفيتي، انهارت أكبر شركة مضاربات ( ام ام ام) في آب من العام 1994 وخسر مئات الآلاف من المواطنين الروس ودائعهم في أخطر عملية احتيال قادها سيرغي ماورودي باستغلال مغفلين باحثين عن الربح السهل السريع فخسروا كل ما يملكون وقادت الكارثة البعض الى الانتحار أو الإدمان.
وشهد آب من العام 1998 انهيار الروبل وإعلان افلاس الدولة الروسية على يد حكومة سيرغي كيريينكو الذي يشغل حالياً منصب نائب مدير ديوان الرئاسة الروسية.
في آب نشبت الحرب الشيشانية الثانية في العام 1999 وقُتِلَ فيها ما يزيد على العشرة آلاف عسكري روسي، بالإضافة إلى عمليات احتجاز رهائن وخطف حافلات وطائرات وتفجير أسواق وساحات عامة وقع بعضها في شهر آب.
وشهد شهر آب حرائق الغابات في موسكو وضواحيها في العام 2010 وبسببها فقد عمدة موسكو الراحل يوري لوجكوف منصبه والذي كان يقضي عطلته الصيفية في سويسرا ولم يقطعها ليكون قريباً من سكان العاصمة، فأقاله دميتري ميدفيديف وكان ذلك في التاريخ يتبادل الرئاسة مع فلاديمير بوتين.
بين الأمس واليوم تُوجَّه أصابع الاتهام بمآسي آب إلى الفساد، لتبرز الأسئلة بقوة على خلفية حملة مكافحة الفساد في وزارة الدفاع التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين قبل أشهر قليلة، والتي أفضت إلى اعتقال كبار الجنرلات بينهم نواب الوزير السابق للدفاع سيرغي شويغو، وكشفت التحقيقات عن فساد بمليارات الروبلات في وقت تخوض روسيا مع حلف الناتو بحسب تعبير مرسكو على الأراضي الاوكرانية حرباً مدمرة.
ما يُخيف العالم اليوم هو ذاك الاسد الجريح في الكرملين، والذي يرى أنَّ ختم الجروح وإعادة الاعتبار لروسيا، رُبَّما يكون باستخدام الأسلحة غير التقليدية، وفي مقدمتها سلاح الغواصات حاملة الرؤوس النووية، تلك التي تُماثل كورسك الراحلة.