عزت ابو علي – LebanonOn
حقَّق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو هدفه بزيارة الولايات المتحدة الأميركية وإلقاء خطاب في الكونغرس.
تصفيق حار تسلَّح به نتنياهو لتسويق مزاعمه بشأن عدوانه الطويل على غزة أثناء كلامه، ليُحقِّق الرجل العارف بقضايا كيانه أولاً والخبير في شؤون أميركا ثانياً أهدافه كافَّة.
على امتداد تاريخه الذي بدأ في العام 1948 يسعى المسؤولون في كيان الاحتلال لإلقاء خطب في الكونغرس الأميركي، فالشارع في إسرائيل يعتبر الأمر بطولة وإنجازاً، حيث تُثبت نتائج استطلاعات الرأي أن أي رئيس وزراء ينجح في هذه المهمة يعني أنَّه يزيد من شعبيته، ليتراجع بالتالي المعارضون خطوة إلى الخلف.
أمرٌ يحتاج إليه نتنياهو وسط ضغط المعارضة عليه، فهو سيعود من واشنطن بقدرة أكبر على مراوغة خصومه السياسيين والأمنيين والعسكريين.
أمرٌ بات ملموساً، ويظهر جليَّاً من خلال انطواء أحزاب المعارضة، والحديث عن تغيير وزير الدفاع، والتخبط في المؤسسة الأمنية من خلال تصريحات المفاوضين، فرئيس الشاباك ومسؤول ملف الأسرى يرفضان المشاركة بالمفاوضات ورئيس الموساد قرَّر لقاء الوسطاء منفرداً.
لم يأتِ نتنياهو إلى أميركا لبحث صفقة إنهاء الحرب بل فُرض البحث فيها عليه فرضاً، لكنَّه تنصَّل من الأمر عبر "خطاب حياتنا".
من اللافت أن نتنياهو لم يوقِّع على أية صفقة قبل زيارة واشنطن، لتمرير سرديته حول صراع الخير والشر، الحضارة والتخلف والحق والباطل بحسب مزاعمه، في مقابل سردية زعيمة الديمقراطيين كاميلا هاريس التي طرحت تساؤلات عن الضحية وطالبت بوقف الحرب التي وصفتها بالمُدَمِّرَة، وإنهاء معاناة الناس، فإسرائيل بحسب هاريس ردَّت بأكثر مما هو لازم.
لم يرق لنتنياهو كلام هاريس التي لم تحد عن المسار الأميركي الحالي، بل، كانت أكثر وضوحاً في مطالب إدارتها، ليُصيبها نتنياهو في مقتل حين ردَّ عليها بالكلام حول تأخّر شحنات الأسلحة لقتال من يريد التسويق بأنهم "الأشرار" في الشرق الأوسط أمام الرأي العام الأميركي، الذي سيتأثَّر بهكذا تصريحات وهو مُقبل على استحقاق سيُحدِّد مصير البلاد لأربعة أعوام قادمة.
يُريد الديمقراطيون إنجازاً قبل النزال الرئاسي مع الجمهوريين، ويرون أنَّ أفضل شيء يُقدَّم حالياً ضمن حملاتهم الانتخابية هو اتفاق إنهاء الحرب التي ستدخل شهرها العاشر بعد أيام قليلة، لكنَّ نتنياهو لم يحقق لهم المُراد، فنتنياهو وضع شروطاً جديدة على مقترحات حركة حماس فهو يريد صفقة استسلام توافق عليها الحركة، وضمانات تؤمِّن له العودة إلى الحرب على الرغم من إبرام أية صفقة مُرتَقَبَة، ليضع الشروط على فريقه التفاوضي وعلى الوسطاء على حدٍّ سواء، ليتهمه معارضوه في إسرائيل بتخريب المفاوضات، بعد تنصّله من إطار التفاوض الكُلِّيّ، ليعود إلى المربَّع الأوَّل عندما تحدَّث عن استراتيجية التفاوض دون الخوض في تفاصيلها، ودون إعطائه أيَّ رد على المُقترحات ليتهرَّب من الإجابة عن مسارها في حال سُئِلَ عنها مُستقبلاً.
في فلوريدا وجد نتنياهو الحضن الدافىء الذي اعتاد عليه حينما التقى صديقه المُقَرَّب منذ ثمانينيات القرن الماضي المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب.
هناك تلقَّى نتنياهو جرعات الدعم القوية، ويُثبت أنَّ زيارة أميركا مرتبطة بترتيباته السياسية وقراراته ستُبنى على حصيلة اللقاءات.
بدا تبادل المصالح بين الشخصين جليَّاً، ترامب هاجم هاريس قائلاً "لا أعلم كيف ليهودي أن يُصوِّت لها في الانتخابات"، وكان ملكياً أكثر من الملك، ليحصل على دعم يهود أميركا المُطلق في صناديق الاقتراع، ويُعطي نتنياهو في المقابل ما يُريد وهو العودة إلى الأراضي المحتلة ليكون شخصاً أقوى على المستوى السياسي بوجه خصومه.
من الواضح أنَّ نتنياهو ربط مصير المفاوضات بمصير وصول ترامب للبيت الأبيض، الذي سيمنحه "شيكاً" على بياض سياسياً وعسكرياً وتفاوضياً وإعادة إحياء شهر العسل فيما بينهما، والذي امتد لأربعة أعوام خلال فترة رئاسة ترامب للولايات المتحدة، فنتنياهو يُدرك أنَّ أي اتفاق حالياً يعني نهاية مسيرته السياسية وهو لن يُعيد الحسابات قبل ظهور النتائج في صناديق الاقتراع الأميركية في الخامس من تشرين الثاني المُقبل لانقاذ مستقبله السياسي ولو كلَّف ذلك ناراً يصعب إخمادها في منطقة الشرق الأوسط برمتها.