عزت ابو علي – LebanonOn
منذ أن أطلقت روسيا عمليتها الخاصة في أوكرانيا، فرض الغرب عقوبات اقتصادية قاسية عليها، إلَّا أنَّ موسكو نجحت بالتعاطي مع كل وجبات الحصار الغربي التي تعرَّضت له.
ففي كل مرة كانت روسيا تتعاطى بحرفية مع العقوبات وتنجح بفكّ قيودها، وفي وقت ظنَّ فيه الغرب أن عقوبات آب المقبل ستضرب حكومة الرئيس فلاديمير بوتين في مقتل، جاء ردّ الأخير قاسياً، حيث أعلن البنك المركزي الروسي، أن معدَّل صرف اليوان الصيني أمام الروبل الروسي سيُحدد مسار العملات الأخرى، وسيصبح معياراً للمشاركين في السوق.
فعلى مدى العامين الماضيين انخفض دور الدولار الأميركي واليورو الأوروبي في السوق الروسية التي أعادت توجيه تدفقات التجارة نحو الشرق وتغيير عملة التسويات إلى الروبل واليوان وعملات البلدان الصديقة الأخرى، أي الدول التي لم تنضم إلى العقوبات الغربية ضد روسيا.
تعليق بورصة موسكو التداول بالدولار واليورو بعد إصدار مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركية تفاصيل حزمة العقوبات الأخيرة التي استهدفت البنوك الروسية، التي تعمل كوسيط تداول الدولار في سوق الصرف الأجنبي الروسي، جاء في صالح موسكو لأنَّ خطوتها تعني أن البنوك والشركات والمستثمرين لن يتمكنوا من تداول أي من العملتين عبر بورصة مركزية، وسيضطرون بدلاً من ذلك إلى الاعتماد على الصفقات فوق المنصة التي تتم مباشرة بين طرفين، وسط قدرة المصرف المركزي الروسي على ضمان جميع الودائع بحسب ما أعلن.
نجحت روسيا على الفور نظراً لدورها الدولي الكبير، بزيادة حجم تجارتها مع الصين ليصل إلى رقم قياسي بلغ 240 مليار دولار، في حين واصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الترويج لتحول بلاده بعيداً عن النظام المالي العالمي الذي تهيمن عليه الدول الغربية.
وبالإضافة إلى الصين فتحت روسيا خطوطاً مع الهند وكذلك البرازيل وجنوب أفريقيا تحت مظلة بريكس دولياً، وفي الشرق الأوسط وجدت روسيا في تركيا حصناً منيعاً للتعاطي الاقتصادي والتجاري، حيث تسعى أنقرة للتحوّل إلى مركز لتدفق الطاقة نحو الغرب المعادي لروسيا خاصة أوروبا، وهو ما يُشكّل مخرجاً لروسيا، فتقاطع المصالح الروسية التركية أجبر الطرفين على توقيع اتفاقية بهذا الشأن، حيث تبقى تدفقات الطاقة الروسية إلى أوروبا قائمة وتُعطي موسكو أنقرة ورقة قوة بوجه خصومها الأوروبيين.
في مقابل ذلك، لم تعد بورصة موسكو مصدراً مهماً للتدوال بالدولار واليورو، فحجم التداول اليومي للدولار مقابل الروبل في البورصة الروسية لا يتعدى الـ 11 مليون دولار، بينما يتراوح التداول لليورو مقابل الروبل نحو 3 ملايين دولار فقط يومياً، وهو ما يُفسِّر ما حلَّ بدول الاتحاد الأوروبي على المستوى الاقتصادي لجهة ارتفاع الأسعار والتضخم وانخفاض مداخيل الفرد الأوروبي بمعدل 5000 يورو سنوياً، وهو رقم كبير يٌفسِّر تقدّم اليمين الأوروبي في الانتخابات الأخيرة.
في المُحصِّلة، فإنَّ النهايات تُستقى من تجارب التاريخ، ففي الختام سيجلس الأطراف على طاولة مفاوضات واحدة، لتنتزع قوتان فقط المكاسب على حساب الأضعف، ما يعني أن روسيا والولايات المتحدة الأميركية ستفوزان على حساب الخاسر الأكبر الاتحاد الأوروبي الذي تأسره أميركا اقتصادياً ودفاعياً، وهو ما يطرح علامات استفهام عدة حول إمكانية بقائه كموحد للأوروبيين.