عزت ابو علي - LebanonOn
لم تستطع أوروبا التحرّر من قيود مشروع مارشال الذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي منذ كانون الثاني في العام 1947.
ففي ذلك الوقت نجحت الولايات المتحدة الأميركية بإعادة إحياء الاقتصاد الأوربي ووضع حدٍّ لانتشار الفقر والبطالةـ وبالتالي صدّ الخطط السوفيتية لنشر الفكر الشيوعي في أوروبا الغربية آنذاك.
ثبَّت مشروع مارشال لإنعاش اقتصاديات غرب أوروبا القاعدة التي تقول بإن القارة العجوز باتت تابعة للولايات المتحدة، ثم جاء انهيار الاتحاد السوفياتي فتجلَّت سياسة القطب الواحد، روسيا ضعيفة وأوروبا تابعة.
ومنذ ذلك الحين فإنَّ إضعاف أوروبا مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة الأميركية بحسب ما يقول رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية الدكتور خالد زين الدين في حديث لـ LebanonOn.
ويؤكد زين الدين أن الأوروبيين ينقسمون على أنفسهم، وأن الولايات المتحدة أطلقت مشروع تدمير أوروبا عند سحبها لبريطانيا من الاتحاد، لدم السماح بتأسيس قوة أوروبية.
ويستند زين الدين في كلامه إلى أيام حصار النفط في العام 1973 حيث كانت أميركا تعاني من مشاكل كثيرة، بسبب الأهمية الكبيرة للبضائه الأوروبية واليابانية يومها على حساب الأميركية وغياب المنافسة، لذا يرى زين الدين أن أميركا خلقت الفوضى في الشرق الأوسط من خلال حرب أكتوبر، وهذا ما أدى إلى توقف النفط عن الاتحاد الأوروبي واليابان، وهذا ما أدخل بروكسيل وطوكيو بأزمات ومشاكل مكَّنت واشنطن من المنافسة.
لكن ذلك لا يعني التخلي الأميركي عن أوروبا، حيث تقويها من حين لآخر لإقلاق الروسي، لكن دون السماح لها من الخروج
من تحت المظلة الاميركية، ويرى زين الدين أنَّ قواعد وأسلحة واشنطن مدفوعة الثمن من بروكسيل، على غرار الغاز والنفط الوم حيث يكشف زين الدين أن الأميركي يشتري الغاز الروسي عبر تركيا وأذربيجان ثم يبيعه للأوروبي الذي يقاطع موسكو احتجاجاً على حرب أوكرانيا.
وعلى لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تبدو حالة أوروبا اليوم، حيث يقول سيد الاليزيه إن أوروبا تواجه تهديداً مميتاً من التدهور الاقتصادي وتزايد النزعة المعادية لليبرالية والحرب على حدودها الشرقية.
كلام ماكرون جاء مع ما كشفه صندوق النقد الدولي عن أن منطقة اليورو فقدت نحو 20% من إنتاجيتها مقارنة بالولايات المتحدة منذ منتصف التسعينيات، كما أنَّ نصيب الفرد من الدخل في الولايات المتحدة تجاوز جميع الاقتصادات المتقدمة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، ويتوقع صندوق النقد أن تتسع هذه الفجوة بشكل أكبر خلال الفترة المتبقية من هذا العقد.
هواجس أوروبا لم تقف عند هذا الحد فهي تعيش آفاق عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض واحتمال تخلي الحليف الأميركي عنها في المستقبل، وبالتالي بات السؤال الأساسي يتمحور حول ما إذا كانت أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها إذا ما تُركت وحيدة في مواجهة روسيا.
عن ذلك تجيب صحيفة وول ستريت جورنال، التي نشرت تقريراً وصف الحالة المقلقة للجيوش الأوروبية، التي كانت في يوم من الأيام ترهب العالم، وها هي الآن تعاني بشكل محرج.
فالجيش البريطاني الذي يعتبر أكبر منفق دفاعي في أوروبا، لا يملك سوى حوالي 150 دبابة جاهزة للقتال، وربما أكثر من اثنتي عشرة قطعة مدفعية بعيدة المدى صالحة للخدمة.
ووصفت الصحيفة الخزانة العسكرية بالفارغة للغاية، لدرجة أن الجيش البريطاني فكر في العام الماضي في الحصول على قاذفات صواريخ متعددة من المتاحف، لتحديثها والتبرع بها لأوكرانيا، وهي الفكرة التي تم العدول عنها لاحقاً.
أما فرنسا، وهي ثاني أكبر دولة منفقة في أوروبا، فتمتلك أقل من 90 قطعة مدفعية ثقيلة، وهو ما يعادل ما تخسره روسيا كل شهر تقريباً في ساحة المعركة في أوكرانيا.
ولا تمتلك الدنمارك مدفعية ثقيلة أو غواصات أو أنظمة دفاع جوي، أما الجيش الألماني فلديه ذخيرة كافية لمدة يومين في معركة عسكرية.
وبالتالي فإن لا غنى لأوروبا عن واشنطن، ففي العقود التي تلت نهاية الحرب الباردة، تسامحت الحكومات في مختلف أنحاء الغرب مع الجيوش الأوروبية الضعيفة، لأن انخراط أميركا بفضل عضلاتها العسكرية الهائلة كان بمثابة الأساس الذي قامت عليه منظمة حلف شمال الأطلسي والسياسة الدفاعية في أوروبا، حيث شكَّلت الولايات المتحدة ما يقرب من 70% من الإنفاق الدفاعي لحلف شمال الأطلسي.
لا شكَّ أن أوروبا تعيش أياماً حالكة، فمع تحرك أميركا نحو موقف أكثر انعزالية وتصويب أنظارها إلى الخطر الصيني، ومع عودة ظهور التهديد المحتمل لأوروبا من روسيا، يبدو أن الاتحاد وفي ظل عجزه عن تأسيس جيش موحَّد سيعيش بين مطرقة الابتزاز الأميركي وسندان التهديد الروسي وهي مصلحة للإدارة في واشنطن وموسكو، لتحقيق ثنائية قرار بعيداً عن المثالثة.