عزت ابو علي – LebanonOn
في بداية فترة التسعينيات انهارت موازين القوى الدولية عقب سقوط الاتحاد السوفياتي، وجاء غزو العراق للكويت عاملاً أساسياً لانقسام الموقف العربي بعد تأييد منظمة التحرير الفلسطينية للموقف العراقي، وما نتج عنه من ضعف للتضامن العربي، وفرض حصار مالي وسياسي على منظمة التحرير جراء مواقفها من الأزمة، لتنعكس المتغيرات الدولية والإقليمية على القضية الفلسطينية وعلى ياسر عرفات مما دفعه للسيّر نحو التسوية.
تسوية فرضتها الولايات المتحدة الأميركية التي خرجت منتصرة من حرب عاصفة الصحراء وتحييد الاتحاد السوفياتي، الأمر الذي مكّنها من فرض نفسها كقوة دولية وحيدة سعت لتسويق الحلول وفي مقدمتها أزمة الشرق الأوسط، فنُظِّم مؤتمر السلام في مدريد في العام 1991، في هذا المؤتمر تحدثت إسرائيل مع العرب لأوّل مرة، وحضر الفلسطينيون ولكن مقابل تنازلات هائلة.
شكَّل هذا المؤتمر تمهيداً لاتفاق أوسلو، الذي رأت فيه منظمة التحرير الفلسطينية الخيار الوحيد أمامها والذي يضمن لها موطئ قدم فوق التراب الفلسطيني، فوقعت المنظمة في الثالث عشر من أيلول من العام 1993 على اتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي، أوسلو"، في حديقة البيت الأبيض بواشنطن، وتبع هذا التوقيع، الاتفاق على بروتوكول باريس، وهو الاتفاق الاقتصادي الذي وقع في 29 نيسان من العام 1994، ومن ثم اتفاق غزة أريحا الذي وقع في القاهرة بتاريخ 5 أيار من العام 1994.
وفي وقت بات فيه الفلسطينيون أقرب من أي وقت مضى للحصول على سلطة حكم ذاتي تمهيداً لدولتهم المستقلة، جاء اغتيال إسحاق رابين في العام 1995، ووصل اليمين المتطرف للسلطة في تل أبيب، ليقضي على أحلام عرفات فحاول الراحل الضغط على إسرائيل من خلال تغطيته لإطلاق انتفاضة الأقصى، لكن ذلك لم يسعفه، وسط التعنّت الإسرائيلي.
ومنذ ذلك الحين لم يحصل الفلسطينيون على شيء، عمليات الاستيطان تصاعدت، التضييق على السلطة تزايدت، فيما العدوان مستمر على الشعب الفلسطيني، وكان آخره الاعتداء غير المسبوق على قطاع غزة، حتى فقد الفلسطينيون آخر منفذ لهم على العالم مع سيطرة إسرائيل على معبر رفح، وباتوا عملياً في سجن إسرائيلي كبير.
سجن لطالما سعى إليه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يصف أوسلو بالخطيئة الكبرى والكارثة العظمى، وهو ما يكشف نوايا نتنياهو الرافض لفكرة دولة فلسطينية والساعي لتهويد الأراضي المحتلة بالكامل وترحيل ما تبقى من فلسطينيين.
كلام نتنياهو جاء بالتزامن مع رأي مهندس اتفاق أوسلو النروجي يان إيغلاند، الذي قال علناً إنَّ هذا الاتفاق لم يعد يصلح أبداً، وأن الحل للحرب الدائرة حالياً في قطاع غزة يتطلب قيادة دولية، وأكد أن العالم يحتاج إلى اتفاق آخر ويجب أن يتم تنسيقه بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والدول العربية.
وتشير التطورات الفلسطينية الحالية إلى أن إسرائيل من جهة والسلطة الفلسطينية وحماس من جهة أخرى يعجزون عن التفاوض وحدهما بشأن حلٍّ عادل للقضية الفلسطينية، لكنَّ المجتمع الدولي على المقلب الآخر ليس على مستوى هذه المهمة أيضاً، فالقيادة الأميركية والأوروبية والعربية، لا تساعد بدفع عملية التسوية، فواشنطن منشغلة بمواجهة الصين والترويج لاتفاقيات التطبيع المنفردة، فيما بروكسيل تبحث ليل نهار عن وسائط لمواجهة موسكو، بينما المجموعة العربية منقسمة على ذاتها وفيها من مشاكل الأمن والاقتصاد والسياسة ما يكفيها لابتعادها عن قضية فلسطين.
بالطبع لن يصب ذلك في مصلحة القضية الفلسطينية، فزيف الادعاءات الإسرائيلية أقوى من سلطة محمود عباس وتنازلاتها على ما يبدو، لذا فإنَّ الحل الحقيقي لن ينطلق إلَّا من رام الله التي يجب عليها إلغاء هذا الاتفاق ولو من جانب واحد، مع تصعيد كبير في الضفة الغربية وأراضي الـ 48 وإلغاء الاتفاقيات الأمنية مع كيان الاحتلال، وهو ما سيجبره حتماً على الجلوس حول طاولة المفاوضات، فالعالم اليوم بات بحاجة أكبر إلى تخفيف بؤر الصراع وفي مقدمتها الشرق الأوسط، والكرة اليوم في ملعب السلطة الفلسطينية التي عليها استغلال مشاكل إسرائيل الداخلية والحاجة الدولية للأمن لتحصيل مكاسب جديَّة للشعب الفلسطيني.