عزت ابو علي – LebanonOn
في الرابع عشر من أيار من العام 1948 أُعلن عن تأسيس ما تُسمى "إسرائيل" على الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة بعد مجازر العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين فيما عُرِفَ يومها بـ "النكبة".
ثلاثة أيام كانت كافية لاعتراف الاتحاد السوفياتي يومها بهذا الكيان حيث أعلن الاتحاد عن إطلاق العلاقات الديبلوماسية مع كيان الاحتلال في السابع عشر من أيار من العام نفسه.
يومها كان الصراع العربي مع العدو الإسرائيلي على أشده وكان العالم منقسماً بين معسكرين الأول بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والآخر تحت مظلة الاتحاد السوفياتي.
راهن العرب في ذلك الوقت على السوفيات في حربهم ضد العدو الإسرائيلي، نظراً لاعتبار الولايات المتحدة كيان الاحتلال قاعدة عسكرية متقدمة لها في الشرق الأوسط وعلى شواطىء المتوسط وفي قلب المنطقة العربية الغنية بالثروات.
لم يكن هذا الرهان على قدر التوقعات العربية، فالسوفيات مدُّوا أياديهم في كلا الاتجاهين، ولم يستطيعوا التملص من العدو الإسرائيلي إلى أن انهار الاتحاد وأخذت روسيا دوره على الصعيد الدولي.
وعلى الرغم من تمتعها مع العرب بعلاقات جيدة، إلَّا أن الرهان على روسيا للانحياز إلى قضايا العرب وفي مقدمتها فلسطين ضد العدو الإسرائيلي لن يكون صائباً لاعتبارات عدة.
سيد الكرملين ورجل روسيا الحديدي فلاديمير بوتين يردد على الدوام وفي كل مناسبة مقولته الشهيرة "روسيا راضية عن شراكتها البناءة مع إسرائيل".
كلام بوتين نابع من علاقات تجارية عميقة مع كيان الاحتلال، مدنية وعسكرية، حيث تُعد إسرائيل مصدراً لطائرات الاستطلاع التي يستحوذ عليها الجيش الروسي، كما أن الصادرات المتبادلة تُقدر بمليارات الدولارات بين الطرفين، حيث تحصل "إسرائيل" من روسيا على الألماس الطبيعي، والخشب الرقائقي، ومواد البناء التي أسهمت بتوسع المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية، ولم يكن قادة كيان الاحتلال أكثر وضوحاً في تاريخهم لحظة انطلاق حرب أوكرانيا وروسيا حين صرحوا وبشكل علني أنَّ هذه الحرب أثرت بشكل سلبي على جهود البناء في كيانهم، حيث يُعدُّ الملياردير الروسي الشهير رومان ابراموفيتش الصديق المُقرَّب للرئيس بوتين، أحد أكبر ممولي بناء المستوطنات، عبر شركاته التي تُقدِّم التبرعات لجمعية "إلعاد"، وهي جمعية استيطانية تعمل في مدينة القدس المحتلة، لتهويد المدينة وترحيل أبنائها العرب.
في مقابل ذلك تُعدُّ "إسرائيل" المصدر الرئيسي للأغذية التي تُصدّر إلى روسيا خاصة الفواكه والخضروات، بالإضافة إلى شاشات الفيديو وغيرها من المنتوجات الإلكترونية المهمة، وتشهد العلاقات التجارية نمواً سنوياً يُقدَّر بحوالي 3,5 بالمئة.
لا يقتصر الأمر على التجارة فحسب، بل، إن الروابط بين روسيا و"إسرائيل" متجذِّرة في المجتمعين، فاللغة الروسية هي الثالثة في "إسرائيل" والأكثر تداولاً بعد العبرية والإنكليزية، كما أن أشهر ملوك "إسرائيل" كما أُطلق عليه، وعدو العرب الأول وأكثر من ارتكب المجازر بحقهم، آرييل شارون، كان يُجيد اللغة الروسية بطلاقة، وكان يصف بوتين بالصديق الغالي لـ "إسرائيل".
ويتحدث حوالي مليون ونصف مليون مستوطن إسرائيلي اللغة الروسية، وهم من مزدوجي الجنسية، وهو أمر مهم بالنسبة للكرملين فيما يتعلق باعتبارات روسيا المحلية.
هذه العوامل مجتمعة تُظهر مدى عمق العلاقة بين روسيا و"إسرائيل"، وهي التي دفعت سياسة بوتين باتجاه تعميق العلاقات مع كيان الاحتلال، فسيد الكرملين لن ينسى مواقف "إسرائيل" من صراعه الدموي مع جمهورية الشيشان في القوقاز، يوم وقف العالم بمعظمه ضده أو على أقل تقدير على الحياد، باستثناء "إسرائيل"، التي لم تنتقده على خلفية الإجراءات التي اتخذها في الشيشان، لا بل دعمتها بكل صراحة.
ويعتبر بوتين سوريا مدى حيوي لبلاده، وعلى الرغم من ارتباطه هناك بحلف وثيق مع حكومة دمشق ويشترك في عمليات قتالية مع الإيرانيين، إلَّا أنَّه يغض الطرف عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا وحلفائها، وهو لم يكتفِ فقط بعدم إبلاغهم بنوايا "إسرائيل" العدوانية وتحذيرهم منها نظراً لامتلاكه في قاعدة حميميم أكثر وسائط الدفاع الجوي والرادارات تقدّماً على مستوى العالم، بل أعلن بشكل واضح عن تنسيق أمني مع كيان الاحتلال فيما خصَّ اعتداءاته في سوريا.
وعند انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول من العام الماضي، وما تبعها من عدوان إسرائيلي غير مسبوق على قطاع غزة، وعمليات استهداف جوي في سوريا للقادة الإيرانيين، وبعد لقاء بوتين بوفد من حركة حماس، ظنَّ العرب أن روسيا ستُبدِّل مواقفها لصالحهم من "إسرائيل"، لكن المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قطعت الشك باليقين عندما أعلنت صراحة عن أن علاقات روسيا مع "إسرائيل" ستتطور، ولديها مستقبل عظيم، وعلى الرغم من كل التأرجح بين الطرفين إلَّا أن زاخاروفا قالت "ننطلق من أن لدينا علاقات ثنائية قوية واتصالات اجتازت اختبار الزمن، لكنها لا تخلو من المشاكل، ولكن لدينا أيضاً حوار مفعم بالثقة في عدد من الاتجاهات"، وأشارت زاخاروفا إلى مزدوجي الجنسية، وسارعت لتبرير استقبال قادة حماس بحاجة موسكو إلى حل المشكلات المتعلِّقة بالرهائن، وهو ما ظهر بعد ذلك، حين أفرجت حماس دون مقابل عن عددٍ من أسراها من مزدوجي الجنسية.
كل هذه العوامل مجتمعة، تشير إلى حقيقة واحدة غير قابلة للنقض، تتمثَّل بأن الرهان على الروسي لحشر "إسرائيل" يبقى سراباً غير قابل للتحقق، وعلى العرب ألَّا يبحثوا عن طرف دولي قوي يُساندهم، بل، إن الحلَّ الأمثل هو بصياغتهم لمشروع يصب في صالحهم، بالتزامن مع السعي الحثيث لفرضه على طاولة التسويات الدولية المقبلة، المتعلِّقة بالشرق الأوسط.