عزت ابو علي – LebanonOn
لا ريب في أن الردَّ الإيراني الناري على إسرائيل جرَّاء استهداف الأخيرة لممثلية طهران الديبلوماسية في دمشق كان قوياً بما فيه الكفاية لتُعيد تل أبيب مراجعة حساباتها في الإيغال بضرب مصالح إيران في سوريا أو أية مناطق أخرى بين المتصارعين.
وإِن كانت الضربة محدودة النتائج بحسب مزاعم إسرائيل، فإنَّها بالنسبة لطهران آتت أُكلها مع إعلانها عن تدمير الوحدات العسكرية الإسرائيلية التي نفَّذت الاعتداء الأخير في دمشق والذي نجم عنه سقوط عدد كبير من قيادات الحرس الثوري وتحديداً فيلق القدس الذراع القوي لإيران والقوة الضاربة لها في الشرق الأوسط.
لكنَّ إسرائيل التي خبرت الصراعات منذ أن تأسَّست في العام 1948، وفي ظل الممانعة الغربية للردّ على الردّ الإيراني واكتفائها بردٍّ هزيل حفظاً لماء وجهها، جهدت لتطويع النتائج لصالحها وهي لغاية الآن نجحت في ذلك بناءً على المعطيات.
فإسرائيل التي تقف بمظهر العاجز عن مواجهة إيران لاعتبارات عدَّة، يحاول رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تعويض ذلك بشتَّى السبل، علَّه يمسح من ذاكرة شعبه ليلة الردّ الإيراني التي أعادتهم إلى العام 1991 يوم انقضت صواريخ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على كيان الاحتلال للمرة الأولى في التاريخ، ولإعادة الاطمئنان لمستوطنيه الذين باتوا على قناعة تامَّة بأن جيشهم الذي قال عن نفسه يوماً إنَّه لا يُقهر، لم يَعُد تلك القوة المرعبة وبإمكان أية جهة أن تضرب عمق إسرائيل.
لذا سارع نتنياهو لتطويع نتائج الضربة لصالحه والترويج لمكتسبات في الإعلام العبري، الذي كشف النقاب عن تسريع وتيرة المفاوضات مع أندونيسيا وماليزيا لعقد اتفاق "سلام" مع اسرائيل، وللأمر رمزية كبيرة فأندونيسيا أكبر دولة إسلامية، وماليزيا إحدى أهم وأكبر الاقتصادات الإسلامية.
على الصعيد الأوروبي وبعد مناكفات شرسة بين تل أبيب وبروكسل، عادت أوروبا لإعطاء دفع جديد وقوي لإسرائيل عبر زيارات وزراء خارجية أوروبيين لكيان الاحتلال وإعلان الدعم المُطلق له، بالإضافة لإعادة ضخ الدعم الأوروبي لإسرائيل وهذا ما عبر عنه قادة مجموعة السبع بإيطاليا خلال اجتماعاتهم الأخيرة.
نجح نتنياهو أيضاً في إيجاد تعتيم إعلامي عن رغبته الجامحة باحتلال رفح والذي سوَّق على أنَّها السبب الرئيسي لقوة حماس، ليؤمِّن غطاءً لعمليته المنتظرة هناك.
وفي سعي لتخفيف وطأة الضربة الإيرانية، جنَّد نتنياهو وسائل إعلامه أيضاً للقول لمستوطنيه، بإن الضربة الإيرانية الذي وصفها بمحدودة التأثير، أعادت تفعيل العقوبات السابقة على إيران والقيام بإجراءات حاسمة أوروبياً وأميركياً لعقوبات جديدة أكثر قساوة، وهو ما سيُعيد طهران بحسب مزاعمه إلى المربع الأوَّل.
ليس هذا فحسب، بل، أنَّ واشنطن هي الأُخرى استفادت من ذلك، بعد أن أثبتت قوة دفاعاتها، لتسارع دول عدَّة في الشرق الأوسط للحديث عن اتفاقيات كبيرة لشراء هذه المنظومات الأميركية، أو عقد اتفاقيات دفاع مشترك مع واشنطن التي ترى في ذلك شرطاً يُقابله إعادة تفعيل مسارات "السلام" بين عدد من عواصم الشرق الأوسط مع تل أبيب.
في المقابل فإنَّ هذه النقاط تُوجب على إيران التدخل بشكل سريع لحفظ نتائج ردّها، وعرقلة مساعي نتنياهو الهادفة لإعادة الصدع الملتئم بين الشعوب العربية وإيران أو على أقل تقدير إسقاط نظرية ربط النزاع فيما بينهم، عبر قيام إسرائيل باجتياح مدينة رفح وارتكاب مجازر تفوق بوحشيتها تلك التي ارتُكِبَت في السابق، لتقول إسرائيل للعرب من خلال ذلك إن إيران لا يهمها الدماء في غزة بل ما يعنيها فقط الدم الإيراني الذي سال في ممثليتها الديبلوماسية في دمشق.
لذا فإنَّ المطلوب من إيران أن تُسارع لاستغلال الردع الحاصل اليوم، في ساحتي الصراع الأبرز، غزَّة وسوريا، لكسرِ الدعاية الإسرائيلية، وتحجيم العمل العسكري في رفح ووقف استباحة الأجواء السورية.