عزت ابو علي – LebanonOn
تُعتبر قضية الابتزاز الالكتروني خاصة الجنسي منها إحدى أبرز التحديات الذي يواجهها المجتمع اللبناني، وعلى الرغم من نشاط قوى الأمن الداخلي وازدياد أنشطة التوعية في مكافحتها إلَّا أن ذلك لم يُشَكِّل رادعاً لِحَلٍّ جذري للأزمة.
تؤكد المرشدة التربوية الدكتورة حسناء أبو حرفوش في حديث لـ LebanonOn أنَّ هذه الحالات إلى ارتفاع، وسط اتخاذ الابتزاز من قبل العديد من الأشخاص مهنة لكسب المال بأسرع الطرق ودون أية جهود مبذولة سوى عمليات المتابعة لإيقاع الضحايا عبر حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي سواء لجهة إدراك الضحية من عدمه، خاصة الحياة الشخصية، الحسابات المصرفية، الصور الخاصة وأنشطتها اليومية الحياتية.
وعن ازدياد حالات الابتزاز تٌشير أبو حرفوش إلى أنَّ الأشخاص الذين يعرضون تفاصيل حياتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لا يدركون عواقب ذلك، لجهة أن المادة الخاصة بحياتهم تترك بصمة ولو تمَّ حذفها، هذا بالإضافة إلى أنَّ تطبيقات الهواتف الذكية تُعتبر باباً لولوج إلى حياة الأشخاص وبموافقتهم وتكسر خصوصيتهم بسبب قلة الوعي، ويُضاف إلى ذلك مشاركة القاصرين حياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ويعود ذلك لتقليد الأهل وتحوّل الأمر إلى أدمان دون إدراكهم لعواقب ذلك مما يحوّلهم إلى فريسة سهلة للمبتزين، خاصة وسط غياب الرقابة، فالقاصر لا يُدرك عواقب إرساله للمبتز صوراً فاضحة، وعند وقوع الكارثة يُضطر الأهل لتفادي الفضيحة التجاوب مع المُبتز، في ظل طغيان التقاليد والعادات الاجتماعية التي تحوّل كل من لا يتجاوب مع مطالب المُبتز إلى قصة تتناقل أحداثها وسط مجتمعه، وتحميل المسؤوليات فيما بين الأهل، في مقابل من يملكون قدراً كافياً من الإدراك سواء عبر الرقابة المُسبقة أو التوجه للجهات المختصة أمنياً ونفسياً لتخطي هذه المُشكلة بأقلّ الأضرار.
وعن دور الأجهزة الأمنية، تؤكد أبو حرفوش أن الأجهزة الأمنية فيما خصّ هذه الجريمة تتميَّز بسرعة الاستجابة وحُسن التعامل مع الضحية مما يُضفي جواً من الراحة النفسية للضحية، خاصة وأن القوى الأمنية تُدرك أن الابتزاز بات قضية مُجتمعية في ظل تزايد الحالات، وسط الفترة المُظلمة من عُمر لبنان، وتُشدِّد على أن مركز مكافحة جرائم المعلوماتية يقوم بدوره على أكمل وجه ويُوقف على الدوام المُبتزين.
لكن القوى الأمنية لا يُمكنها التحرّك دون تعميم ثقافة "الإبلاغ"، وهنا تُشير أبو حرفوش إلى أنَّ ثقافة الإفصاح باتت موجودة في المجتمع بشكل أفضل من السابق، ويعود ذلك إلى الأنشطة التوعوية، دون إغفال العوائق الاجتماعية التي لا تزال تسري في المجتمع عند البعض لناحية التعتيم خوفاً من الفضيحة.
ولاجل ذلك تسعى العديد من الأطراف لكسر هذا الخوف عبر أنشطة مُعيَّنة خاصة للقصَّر، لمعرفة ما يتعرضون له عبر دراسة السلوك المبنيَّة على تجاوبهم مع هذه الأنشطة، ويهدف ذلك لمعرفة ما إذا كانوا قد تعرَّضوا لهذه المشاكل وتمَّ التعتيم عليها ضمن مؤسسة الأسرة.
وبالتوازي مع الأنشطة الاجتماعية والتحليل النفسي والسلوكي وأنشطة التوعية، تؤكد المُحامية دعاء منصور الناشطة في مجال مكافحة الابتزاز في حديث لـ LebanonOn، أن القانون اللبناني حازم وصارم حيال موضوع الابتزاز، فالمادة 650 عقوبات نصت على "أنَّ كل من هدَّد شخصاً بفضح أمر أو إفشائه أو الإخبار عنه وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو شرفه أو من قدر أحد أقاربه لكي يحمله على جلب منفعة له أو لغيره بشكل غير مشروع عوقب بالحبس من شهرين الى سنتين وبالغرامة حتى ستمئة ألف ليرة، وتشدد العقوبة وفقا للمادة 257 عقوبات بحق الفاعل إذا كان الأمر الذي يهدد بفضحه قد اتصل بعمله بحكم وظيفته أو مهنته أو فنه".
وتُشدِّد منصور على أن القانون اللبناني حازم أكثر وأكثر، لأنَّ أيَّة جريمة بخصوص التحرش والابتزاز نصَّ على عقوبتها، وشدَّد العقوبة عندما يقع الجُرم على قاصر وخَصَّصَ نصوص قانونية بالجرائم من هذا النوع ذات الطابع الجنسي والتي تقع على قاصر".
وبحسب منصور فإن الإحصاءات تُظهر ارتفاع الحالات منذ فترة الكورونا، في مقابل أمر إيجابي يتجلَّى بارتفاع عدد المُبلِّغين عن تعرضهم للابتزاز، الذي يطال على حد قول منصور كل الفئات العمرية وكلا الجنسين.
ومن خلال متابعاتها القانونية للضحايا تكشف منصور عن أن الأشخاص وخاصة الفتيات باتوا أكثر جُرأة لناحية الاتجاه نحو القانون، وهذا ما يُشير إلى كسر حاجز الخوف والرهاب المُجتمعي نتيجة إدراك المُبلِّغ بأنَّه ضحية، ويعود ذلك إلى الندوات وحملات التوعية التي ساعدت بكسر هذا الحاجز المجتمعي، الأمر الذي جعل الأفراد أكثر جرأة وبالتالي أكثر وعي.
وتلفت منصور إلى أن التحقيقات أظهرت أن عوامل عدة تدخل في ارتفاع حالات الابتزاز، الإغلاق الذي صاحب أزمة الكورونا، البطالة، يأس الشباب ومحاولة اكتساب المال بأية طريقة، الطَّيش والفراغ الذي تعاني منه فئات اجتماعية عدَّة، قلة الوعي لدى الكثيرين، عدم إدراك خطورة الشاشة والإنترنت الذي يُعتبر عالماً واسعاً أدَّى لارتفاع نسبة جرائم الابتزاز بشكل مستمر.
وبحسب ما تكشفه منصور في حديثها لـ LebanonOn فإنَّ شبكات القرصنة والابتزاز لم تعد مُقتصرة على اللبنانيين فحسب، بل، إنَّها باتت في جزء كبير منها يقف خلفها السوريون، وتؤكد أنَّها وَبِحُكم عملها القانوني في مساعدة الضحايا، فإنها أُبلغت ممن طلبوا مساعدتها بأن السوريين دخلوا على خط تأليف عصابات ابتزاز والتواصل يتمّ مع الضحايا من خلال أرقام هواتف سورية، وتؤكد أنَّه وخلال متابعة العديد من الحالات، برزت بشكل ملفت الهوية السورية في هذه الجرائم، وتتابع منصور "هذا لا يعني إلصاق هذا الجريمة بجميع السوريين، لأنَّ ذلك يعود للشخص المُبتز وأهدافه".