عزت ابو علي – LebanonOn
لم يكن خافياً منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى، سعي رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو لإقحام الولايات المتحدة الأميركية في هذه الحرب، بشتى السُبل.
حوَّل نتنياهو حربه ضد غزة إلى حربٍ وجودية، ولم يُفلِح في تحقيق هدفه بجرِّ واشنطن إليها، ثم انتقل لاستفزاز حزب الله عبر كسره لقواعد الاشتباك في قصفه الذي وصل إلى ضاحية بيروت الجنوبية معقل الحزب ومدينة بعلبك اللبنانية عمقه الاستراتيجي، لكن الحزب لم ينجر إلى حربٍ مفتوحة، فانتقل نتنياهو إلى ضرب إيران بشكل مباشر عبر استهداف ممثليتها الديبلوماسية في دمشق والتي تُعَدُّ بحسب القوانين الدولية أرضاً إيرانية وقتل كبار جنرالات الحرس الثوري.
هُنا تغيَّرت المعطيات بشكلٍ كلي، فالإيراني حرَّك قدراته العسكرية باعتراف الأميركي وعزم على الرد بشكل مباشر داخل كيان الاحتلال، ليظن نتنياهو أنه كسب رهان إقحام واشنطن في حربه الدائرة منذ تشرين الأول من العام الماضي أخيراً.
لم تستطع واشنطن تمرير تهديدات طهران حين أخذتها على محمل الجدِّ هذه المرة، فحرَّكت أساطيلها لحماية أمن طفلتها المدللة في الشرق الأوسط "إسرائيل"، وظهرت ابتسامة نتنياهو مع كل تصريح أميركي بذلك، ولكن لماذا؟
نجح نتنياهو بتحويل أنظار الشارع الإسرايلي الغاضب منه من قضايا وقف الحرب وإعادة نازحي غلاف غزة والشمال إلى مستوطناتهم وتحرير الأسرى ومظاهرات تل أبيب الليلية، إلى حربه المحتملة مع إيران، فصمت الشارع الإسرائيلي بشكل كامل ولم تجرؤ المعارضة حتى على انتقاده، فالصراع المباشر مع إيران شكَّل له استراحة من هموم الداخل.
ليس هذا فحسب، بل، إن التصعيد في قطاع غزة وحشده لجيشه على أبواب رفح وإعلانه عن تجهيز 40 ألف خيمة لإيواء النازحين إليها مرَّ مرور الكرام، فأنظار العالم تحوَّلت من القطاع نحو الإقليم لتجنيبه تداعيات الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران وتجنّب انعكاساتها المريرة على العالم برمته.
يُدرٍك نتنياهو جيداً أن لا طاقة له ولا لجيشه بفتح جبهات أُخرى وبالتالي فإن دخول الولايات المتحدة الأميركية على خط الصراع بشكل مباشر سيكون أمراً حتمياً، وهذا ما سيُنقِذ مستقبل نتنياهو السياسي والذي حوَّل الحرب بينه وبين "أعدائه" إلى حرب شخصية، وبالتالي فإن تحقيقه لمكاسب عسكرية تُسعِفه سياسياً وقضائياً في "إسرائيل" سيكون ممكناً بتدخل الولايات المتحدة بقواتها العسكرية، وهُنا يفهم المتابع كيف أن نتنياهو الغارق في مشاكل لا حصر لها هو أكثر المتشوقين لتوسيع الحرب وجعلها إقليمية مهما بلغت تداعياتها.
على المقلب الآخر، فإنَّ لإيران حسابات ردّ لا تقل أهمية، فهي أمام الرأي العام باتت مُلزمة بإظهار مخالبها وأنيابها بشكل مباشر وليس عبر حلفائها للوقوف بوجه التمادي الإسرائيلي بحقها، لكنَّها تُبدي حذراً من تحقيق مآرب نتنياهو، عبر محاولات تحييد الأميركيين عن هذا الصراع تارة، ومحاولة الضغط لتنفيذ معادلة مطالب حماس مقابل الضربة لإنقاذ حليفتها في غزة تارةً أُخرى.
في كلتا الحالتين، تعتبر إيران نفسها منتصرة فهي إن نجحت بضرب إسرائيل ستخرج بمظهر القوي القادر على المواجهة، وإِن استطاعت تمرير شرطها الآخر وقف الحرب على غزة مقابل إعفاء تل أبيب من الضربة فستحقِّق نصراً لمحورها وتُثبّت معادلة وحدة الساحات التي دارت الشكوك من حولها وسط غياب أي تأثير مباشر للجبهات الأخرى بتخفيف الضغط الإسرائيلي الهائل عن حركة حماس في غزة.
إزاء ذلك، فإن الطرف الأكثر تضرراً من هذه مواجهة بين تل أبيب وطهران هي واشنطن، فإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كما يبدو من تصريحاتها السابقة والآنية غير مستعدة لحرب كبرى في الشرق الأوسط، فأمام الرجل انتخابات صعبة بعد أشهر قليلة، كما أنَّ الوضع في جبهة أوروبا ليس على ما يرام مع إعلان أوكرانيا عن صعوبات بالغة على الجبهة الشرقية التي تحقق فيها روسيا مكاسب كبيرة جداً، الأمر الذي يدفع الولايات المتحدة الأميركية للبحث عن طوق نجاة لحليفتها أوكرانيا، فانتصار روسيا هناك سيكون أشد وطأة على البيت الأبيض من هزيمة نتنياهو، كما أنَّ الوضع في شرق آسيا وتحديداً في بحر الصين ليس أفضل حالاً، حيث تُجري واشنطن مناورات عسكرية لطمأنة حلفائها إزاء طموحات بكين.
لهذه الأسباب مجتمعة، تُدرك واشنطن جيداً أن مناطق توتر إضافية في العالم لن يكون في صالحها، لذا تسعى بشكل جديّ للبحث عن معادلة رابح – رابح لكلٍ من حليفتها تل أبيب و "عدوتها" طهران، فهل تنجح في فرملة عجلات نتنياهو في ردِّه داخل الأراضي الإيرانية على أي ردٍ إيراني محتمل على غارة دمشق وتجنيب الشرق الأوسط من الانزلاق نحو حرب لا تُحمد عُقبَاها؟