مظاهرات الأردن: أبعد من غزة وأقرب إلى السلطة ... نظام عمَّان على المحك

خاص ON | عزت ابو علي | Saturday, April 6, 2024 2:46:00 PM

عزت ابو علي – LebanonOn

ثلاثة عقود من الزمن مرَّت على توسّط الرئيس الأميركي بيل كلينتون الجلوس بين العاهل الأردني الراحل الملك الحسين بن طلال ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي إسحاق رابين، ليشهد على توقيع الرجلين على معاهدة "السلام" بين عمَّان وتل أبيب في حديقة البيت الأبيض، والتي أنهت حالة العداء بين الطرفين في العام 1994.

معاهدة "السلام" لم تُحدِث أية خروقات في رأي الشارع الأردني تجاه العدواة مع إسرائيل، وهي لم تخرج من كونها اتفاقية بين النظام الحاكم فقط لا غير وإسرائيل.

من طبيعة الأردن التكوينية يفهم المتابع هذا الترابط الوثيق بينها وبين فلسطين كأكثر دولة عربية تُعنى بفلسطين، جغرافياً تشترك الأردن بحدود مشتركة مع فلسطين المحتلة، عشائرياً تتداخل العشائر فيما بينها وتمدد على مساحة البلدين وحدة الدم والقرابة والتزاوج المشترك، هذا بالإضافة إلى وجود الملايين من الفلسطينيين الأردنيين في الأردن.

وفي القضية الفلسطينية تميَّز الشعب الأردني بأنَّه كان الداعم الأول للكفاح الفلسطيني المسلح انطلاقاً من أراضيه ضد العدو الإسرائيلي، حيث انطلقت عمليات منظمة التحرير الفلسطينية من أراضي الأردن، كما يرتبط الجانبان بالدم المشترك في معركة الكرامة الشهيرة والتي تُعَدُّ أول انتصار عربي حقيقي على إسرائيل بعد النكسات المتتالية.

عامل آخر ومهم في هذه القضية وهي الحركة الإسلامية في الأردن "الأخوان المسلمين" التي ترتبط تاريخياً وبشكل وثيق  بقضية فلسطين وبحركة حماس أيديولوجياً.

على عكس الدول العربية كان النظام الأردني متساهلاً إلى حدٍ ما مع أبناء الحركة، وهو إن لم يرغب بوجودها في المجتمع الأردني إلَّا أنه لم يستخدم القوة الغليظة معها وبقيت الحركة في الأردن تنظيماً فاعلاً على الأرض، وتحظى بانتشار واسع بين أبناء العشائر وفي عدد من المحافظات المؤثرة فكانت المهادنة السمة الغالبة لتعامل النظام معها لأن الانزلاق للصدام لن يكون في صالح الطرفين.

منذ اندلاع أحداث غزة خرج الشعب الأردني نُصرة لفلسطين، لكن ازدياد وتيرة الاحتجاجات في العاصمة الأردنية ومناطق مختلفة في البلاد، منذ أيام عديدة بعد تصريحات قادة حركة حماس التي دعت للتظاهر والاحتجاج على ما يحدث في غزة.

أدرك النظام الأردني أن الشعارات تجاوزت بسقف أعلى التضامن مع غزة، حتى رأى مراقبون أن المتضامنين يستعدون لتنفيذ أجندات خاصة ما أدى إلى إصدار تنديدات مع إجماع على ضرورة تحصين الجبهة الداخلية ضد كل ما يمس استقرار البلاد.

ومن الملاحظ خروج بعض المسؤولين في الأردن لمطالبة حماس بوقف ما أسموه "التحريض البائس على أمن الدولة من أجل تشتيت البوصلة والتركيز"، وطالب المسؤولون قادة الحركة بأن يوفروا النصائح لضرورة حفظ السلم والدعوات لصمود الفلسطينيين في قطاع غزة.

لا تؤشر هذه التصريحات الأردنية إلى راحة أجهزة الأمن لما يجري على الأرض، فجماعة الأخوان المسلمين في الأردن، التي تصنفها الحكومة "بغير المرخصة" مصرة على الاستمرار بما تقوم على الأرض، مسلحة باتصالاتها مع حركة حماس التي تأتي في إطار مواجهة ما وصفتها بـ"الأطماع الصهيونية التي لا تقف عند حدود فلسطين، بل ممتدة باتجاه الأردن"، وفق "قاعدة الحفاظ على خصوصية كل طرف"، و"الانطلاق من المصالح الوطنية العليا وبما يخدم القضية الفلسطينية ويدافع عنها"، مضيفة أن "القضية الفلسطينية هي شأن وطني داخلي بالنسبة للأردنيين".

لكن ما هي احتماليات تحريك هذه الجبهة؟

لا شك أن النظام الأردني يخترق كل الحركات في الأردن، وهنا يظهر تفسير أول لما يجري على الأرض، فماذا لو كانت عمَّان تقف خلف ذلك للحصول على أوراق تنازل من المعنيين الدوليين الذين يرفضون تنصيب ولي العهد ملكاً على البلاد وسط الرفض الشعبي له، خاصة من العشائر المسيطرة عملياً على البلاد.

تفسير آخر وهو الأقرب لدراسة الموقف على الأرض فمن غير المستبعد أن تكون الحركات الفلسطينية والإسلامية قد حركت الشارع تمهيداً للضغط على الحكومة لتغيير موقفها بالقوة من إسرائيل، فالجميع يدرك أن النقطة الأساس في حماية الأمن القومي الإسرائيلي بقاء نظام كالنظام في الأردن وما يوفر من تنسيق أمني مع تل أبيب، حتى ذهب البعض أبعد من ذلك بالقول إن بقاء النظام في الأردن يعني بقاء إسرائيل.

ولا يخفى على أحد تأثير وقوة العشائر التي بإمكانها تحريك الشارع للضغط على الملك الأردني للاستحصال على مطالب معينة، دون إغفال التأثير الغربي في الأردن الذي يُعد ساحة للاستخبارات الغربية أيضاً رغم أعينه المفتوحة، فهل سيكون من المستبعد أن يكون ثمن بقاء النظام وحمايته القبول بتوطين أهل الضفة الغربية بعد إتمام مخطط تهجير أهل غزة إلى سيناء؟!

ويأتي ذلك مضافاً إلى تقارير أردنية عديدة تلقتها الحكومة في العراق، وقالت إن هناك تحول في سلوك أو موقف فصائل المقاومة الإسلامية العراقية بالنسبة لموضوع الحرب في غزة، وهذه الفصائل كانت تهاجم القوات الأميركية في وقت سابق، وهذه الهجمات التي توقفت نظراً لعوامل الضغط، أوجدت حيزاً مهماً لتحرك هذه الفصائل باتجاه الأردن، حيث تتصل هذه الفصائل بمعارضين أردنيين وبالتحديد معارضين إسلاميين أردنيين من الإخوان المسلمين، وأن هذه الفصائل أيضاً تموّل وتسلّح مجموعات أردنية، خاصة وأن تقارير أمنية أردنية وصلت بغداد وتزعم هناك قيادات من حماس موجودة في معسكرات لفصائل المقاومة الإسلامية العراقية، وأن هناك تنسيق بين الطرفين لكيفية دفع الوضع الداخلي في الأردن إلى التصعيد بشأن حرب غزة.

في المُحصِّلة فإنَّ هذه الاحتماليات لا تُلغي حقيقة أن الأردن يعيش أزمة نظام حقيقية، وما خوف الآخرين من التغيير وارتداداته عليهم إلَّا دليل واضح لمسارعتهم في أكثر من مرة لمد الأردن بمليارات من الدولارات لتثبيت أركان الحكم، وإنَّ غداً لناظره قريب.  

| تابعوا آخر أخبار "Lebanon On" عبر Google News اضغط هنا

| لمتابعة آخر الأخبار والتطورات اشتركوا بقناتنا عبر واتساب اضغط هنا