عزت ابو علي – LebanonOn
منذ أن وقعت الأزمة الاقتصادية في العام 2019 وتخلَّفت المصارف عن إعطاء الودائع للمودعين، وأعلنت الدولة اللبنانية عجزها عن سداد ديونها، دون أية إصلاحات منذ 5 أعوام، والتفلّت من الرقابة على حركة سير الأموال، ووضع موازنات دون دراسات مستفيضة هدفها جمع الإيرادات فقط واعتماد سياسة "التصفير" إرضاء لصندوق النقد الدولي ولو على حساب الاقتصاد الوطني، نشط ما سُمي باقتصاد "الكاش".
ولطالما حذَّر خبراء الاقتصاد في لبنان من هذا الأمر، وكذلك المؤسسات الدولية، حتى وصل الحال إلى ما هو عليه الآن.
الآذان التي صُمَّت عن سماع التحذيرات ظناً منها أن ذلك سيكبح ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية ولو حصل، أوقع لبنان في مشكلة أكبر من سعر صرف الدولار.
يبدو أن لا مفر بعد اليوم من أن اقتصاد "الكاش" سيضع لبنان على القائمة الرمادية من قبل المعنيين بالإجراءات المالية الدولية، فهو الطريق الأسهل للتهرب الضريبي، وغسل الأموال، أو حتى تمويل "الإرهاب" بحسب التوصيف الغربي، وغيرها من الأمور التي قد تفضي الى دخول لبنان نادي الدول الموضوعة غلى اللائحة السوداء، في ظل العجز عن معالجة الثغرات، وهو ما يزيد من فظاعة الأزمة.
أزمة يبدو أنها ذاهبة نحو تصعيد دون ضوابط، فيكفي لهذا الاستنتاج متابعة زيارة وفد من الخزانة الأميركية برئاسة نائب مساعد وزير الخزانة لشؤون آسيا والشرق الأوسط في مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية جيسي بايكر إلى بيروت، بغية تفادي تشكيل اقتصاد "الكاش" وسيلة لمساعدة حركة "حماس" في تحويل الأموال من وإلى لبنان لتمويل عملياتها في غزة، ففي ظل هذا الاقتصاد فإن تعقب العمليات المالية مهمة بالغة الصعوبة والتعقيد نظراً لعدم مرورها عبر المصارف.
هذه الزيارة الأميركية تُشير إلى احتمالات عدة للتعامل مع لبنان إن لم يُسارع لحل مشكلة اقتصاد "الكاش"، خاصة ومع انتشار شركات تحويل واستلام الأموال من داخل لبنان وخارجه بشكل كثيف، فهل يُدرك المسؤولون عواقب وقف التعامل المالي العالمي وعزل لبنان عن النظام المالي العالمي؟ وسط حاجة البلاد لكل مصدر مالي يأتي عن طريق الخارج لسد حاجاته من مصادر العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع الاستراتيجية على سبيل المثال كالمحروقات والأدوية والقمح!.
وسط كل ذلك يدرك المتابع هذا الإصرار الدولي على إصلاح النظام المصرفي والمالي، ولكن أين منصة بلومبيرغ؟! التي كَثُرَ الحديث عنها وعن إشراك المصارف فيها، مما سيسمح بتخفيف اقتصاد "الكاش"، وعمليات التداول النقدي، الأمر الذي يعزز إلى حد كبير سياسات تخفيض شبهات تبييض الأموال وغسلها وتمويل الإرهاب، فهل من مستفيد من الاقتصاد النقدي يمنعها من أن تبصر النور لغاية اليوم؟.