عزت ابو علي - LebanonOn
تعكف تركيا على إجراء انتخاباتها المحلية نهاية شهر آذار الجاري، في سعيٍ من قبل الأحزاب السياسية لحجز مقاعدها في البلديات والوصول إلى سدة رئاستها، فالبلدية في تركيا تُعتبر مؤثرة أساسية للوصول إلى الندوة البرلمانية وحتى مقعد الرئاسة نظراً لطابعها الخدمي واستقلاليتها إلى حدٍ ما عن السلطة المركزية.
وتختلف هذه الانتخابات عن الرئاسية والتشريعية بأن استقطابها السياسي أقل بكثير، لكن هذه الجولة تختلف عن سابقاتها بشكل جذري حيث حضرت غزة بقوة في خطابات المرشحين.
فالمعارضة المستميتة لإسقاط حزب العدالة والتنمية الحاكم وتوجيه ضربة للرئيس رجب طيب أردوغان، تستخدم ورقة انتقادها لرفض البرلمان الذي يُهيمن عليه حزب الرئيس التدقيق في التجارة مع إسرائيل، ورفض قطع العلاقات الدبلوماسية معها.
ويرى المتابع للشأن التركي أن حضور غزة في مشهد محليات 2024 يتزايد يوماً بعد آخر كلما اقترب موعد الاستحقاق الانتخابي، خاصة في المنطقة الأكثر تأثيراً في تركيا وهي مدينة اسطنبول الذي يسعى أردوغان لاستعادتها بقوَّة من براثن حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة.
فأردوغان اختار هذه المرة مرشحاً قوياً هو الوزير السابق مراد كوروم لينافس رئيس البلدية الحالي ومرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، بالإضافة لمرشحي أحد عشر حزباً سياسياً وعدد من المستقلين.
هذه الأحزاب الصغيرة تشكل بيضة القبان في تحديد الفائز، ولسوء حظِّ أردوغان فإنَّ مجمل هذه الأحزاب إسلامية محافظة أو منشقة عن حزب العدالية والتنمية، مثل أحزاب السعادة والمستقبل والرفاه مجدداً، والديمقراطية والتقدم، وهي بسبب قربها من الخط الفكري والأيديولوجي للحزب الحاكم قادرة على السحب من رصيده في الانتخابات، وخصوصاً أن لها مواقف قوية في معارضته في ملفات عدة، في مقدمتها الموقف من الحرب على غزة، كما تقوم بتنظيم فعاليات يومية احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وعلى الرغم من استحالة أي من مرشحي هذه الأحزاب المذكورة الوصول إلى رئاسة إحدى البلديات الكبرى في البلاد، لكن سحبها من رصيد مرشحي العدالة والتنمية، قد يقلل من فرص فوز الحزب الحاكم، خصوصاً في البلديات التي ستشهد منافسة شرسة، ويكون فيها لكل صوت أهميته، كاسطنبول وأنقرة.
تحدٍ آخر أمام أردوغان وحزبه يتمثَّل باتجاهات التصويت لدى المواطنين الأتراك من أصول عربية والذين يُبدون استياء من الموقف المتردد للرئيس بشأن حرب غزة، ومن المرجح بحسب استطلاعات الرأي أن يقاطع هؤلاء الانتخابات أو الذهاب نحو منح أصواتهم لمرشح من الأحزاب المحافظة المناوئة لأردوغان، الذي لم ينجح حتى بوقف تصدير البضائع من تركيا، ومرور سفن الوقود عبرها لكيان الاحتلال.
أدرك الحزب الحاكم مخاطر ذلك، لذا صَعَّدَ أردوغان اللهجة ضد إسرائيل ووصفها بالإرهابية وطالب بمحاكمة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، في حين صرَّح علناً بأن حركة حماس هي فصيل مقاوم له الحق في تقرير المصير، لكن المعارضة سرعان ما تصدَّت له خوفاً من استعطاف الشارع التركي، وكشفت بالأدلة والبراهين عن تعاون مرشح العدالة والتنمية لرئاسة بلدية اسطنبول مع شركة إعلام مقرها إسرائيل للترويج لحملته في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي لم ينفِه الحزب الحاكم، التي سارعت وسائل إعلامه لبث خبر مماثل يتحدَّث عن استعانة منافسه أكرم إمام أوغلو بشركة إعلامية لها فرع في إسرائيل، لتعود وسائل الإعلام خاصة المعارضة منها في اليوم التالي لنشر خبر عن تخلّي كوروم عن الشركة الإسرائيلية، وحذف الإعلانات التي كانت نفذتها لمصلحته وتعاقده مع شركة تركية هذه المرّة.
على الرغم من أنَّ فرص فوز العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية المقبلة تبدو كبيرة مقارنة بالاستحقاق المحلي السابق خاصة في اسطنبول المؤثرة، إلَّا أن غزة ستكون بلا أدنى شك عاملاً مؤثراً في التصويت، ليبقى تعويل أردوغان في الفوز على تشتت التحالف المعارض له، وتقديم الأحزاب المعارضة عدة مرشحين لها، ولا سيما حزب الجيد القومي، وحزب ديمقراطية ومساواة الشعوب القومي الكردي.