عزت ابو علي – LebanonOn
يبدو جلياً أن كل المعطيات على الأرض وفي كواليس السياسة توحي بأنَّ العدو الإسرائيلي بات يرى بأنَّ الخلاص يتمثَّل بشنِّه عملية برية ضد لبنان.
المؤشرات إلى ذلك السبيل تكاد تكون متتالية، فالعدو نقل استراتيجيته العسكرية المُتَّبعة في قطاع غزة إلى جنوب لبنان، عبر انتهاجه لعقيدة الضاحية التي تُعَدُّ سمة جيش العدو المُدَمِّرَة والقاتلة، حيث تعدَّت استهدافاته لما يزعم بأنها مراكز لحزب الله، إلى تدمير قرى وأحياء في بلدات جنوبية عدة بأكملها.
ليس هذا فحسب، بل، إنَّ محاولات لواء غولاني في جيش الاحتلال لاقتحام البعض من الأراضي اللبنانية ليست بريئة، فالجنرالات على دراية تامة بأنَّ هكذا اقتحامات لا تقدِّم ولا تُؤخِّر في الميدان، لكنها تُشبه إلى حدٍ كبير الأحداث التي سبقت العملية البرية في غزة، حيث أرسل جيش العدو مجموعات قتالية خاصة صغيرة كانت تستطلع بالنار خطوط دفاع فصائل المقاومة في غزة، قبل شَنِّ العملية البرية بعد 4 محاولات استطلاع متتالية.
والناظر عن كثب إلى طول أمدِّ الحرب في غزة يُدرك أنَّ العدو ورغم خسائره الفادحة ربما يناور في هذه المساحة الضيِّقَة تمهيداً للميدان الأكبر في لبنان، وهو ما كشفت عنه القناة 13 الإسرائيلية التي قالت إن رئيس الأركان هرتسي هاليفي، أوعز بإعداد خطط لعملية برية ممكنة في لبنان واستخلاص الدروس من حرب غزة.
ومن المثير للاهتمام أن رئيس الأركان أوعز بإعداد هذه الخطة إلى جنراله تشيكو تامير الذي هو نفسه من أعدَّ العُدَّة لاجتياح القطاع وهو الأخبر بالعوائق والصعوبات والأكثر كفاءة على استخلاص العبر ومعالجة الخلل، فطريقة عمل فصائل محور المقاومة هي ذاتها من حيث الإعداد والتدريب والقتال من تحت الأرض وفي الأماكن الوعرة.
إعلان العدو عن تجهيزه خطة عسكرية لغزو محتمل للبنان، ترافق مع التحضير الديبلوماسي، حيث كشفت مصادر مطلعة أن تل أبيب أبلغت عواصم أوروبية عدة بأنها حدَّدَت مهلة حتى 15 آذار الجاري، للتوصل إلى تسوية سياسية مع لبنان، وإلا فإنها مستعدة لتصعيد العمليات العسكرية إلى حرب واسعة النطاق، وهو ما زاد من قلق الدول الغربية التي تعتبر أنه ينبغي بذل كل الجهود لدعم المساعي المستمرة للولايات المتحدة وفرنسا لتنفيذ القرار 1701، والشروع في تسوية حدودية توفر الأمن على المدى الطويل، وتضمن عودة النازحين على طرفي الحدود، لكن هذا المسار غير كافٍ للاطمئنان في ظل الرؤى الإسرائيلية، رغم ما تُظهره واشنطن من إصرار على صياغة الأحرف الأولى من اتفاق ما بين بيروت وتل أبيب.
اتفاق دونه عقبات وتعقيدات لا حصر لها، فحزب الله لا يزال على موقفه الأوَّل الذي يتجلَّى بأن أي نقاش بشأن ترتيبات سياسية في لبنان ووقف إطلاق النار لن يكون قابلاً للترجمة ما دام العدوان مستمراً على قطاع غزة، ومما زاد الطين بلة تصريح المبعوث الرئاسي الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين خلال زيارته إلى بيروت قبل أيام بأنَّ أية هدنة يتم الاتفاق عليها في غزة ليس من الضروري أن تمتد إلى لبنان بشكل تلقائي.
ويبني العدو الإسرائيلي بحسب المراقبين طموحاته بتنفيذ عملية برية ضد لبنان على 3 أُسس لم تكن موجودة في السابق، فهو اختبر الحرب الطويلة في غزة والممتدة لشهرها الـ 6 من الناحية العسكرية، بالإضافة إلى نجاح حكومة بنيامين نتنياهو وفرقة المتطرفين بحشدِ رأي عام يدعو إلى الحرب وهذا ما لم يكن متوفراً في السابق، فضلاً عن الأمر الأهم حيث عانى العدو من أزمة النزوح والتي وصلت إلى حد إخلاء 150 ألف مستوطن للمناطق الحدودية مع لبنان والقريبة منه حتى عمق 10 كيلومتر تقريباً.
هذه العوامل مجتمعة تُشكِّل الحافز الأكبر لشنِّ عدوان بري ضد لبنان، وتأتي هذه العوامل مضافة إلى دعمٍ غربي غير محدود، فكل المعطيات تُشير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لن تترك إسرائيل في أية مواجهة محتملة مع لبنان، على الرغم من أن واشنطن تبدو بمظهر الساعي لاحتواء التصعيد، هذا فضلاً عن أن نتنياهو وأعضاء حكومته باتوا على قناعة تامَّة بأن عجزهم في قطاع غزة يُمكن أن يُعوَّض في جنوب لبنان، واتخذ الأمر عندهم طابع الشخصنة تجنباً لمكوثهم خلف القضبان بعد تسوية الصراع في القطاع، فالحرب بالنسبة لهم ومهما كانت النتائج هي طوق للنجاة، فكيف للغريق أن يتخلَّى عن الوسيلة الوحيدة لانقاذ حياته؟