عزت ابو علي – LebanonOn
عندما بدأت العمليات من لبنان ضد العدو الإسرائيلي في الثامن من شهر تشرين الأول الماضي على خلفية إسناد المقاومة في غزة والتي أطلقت عملية طوفان الأقصى، لم تخرج المعارك عن قواعد الاشتباك المعمول بها بين حزب الله وإسرائيل.
بقيت العمليات محصورة في حيز مكاني واحد، رد والرد على الرد لأشهر طويلة، حتى قامت إسرائيل باغتيال صالح العاروري الرجل الثاني في حركة حماس في أحد الشقق في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
يومها لم تخرق إسرائيل قواعد الاشتباك فحسب، بل، قواعد الردع أيضاً، ومعها وسَّع حزب الله من مدى الاستهداف للأراضي المحتلة.
وفي ردِّها على الرد باتت إسرائيل تقصف العمق اللبناني بدءاً من النبطية وإقليم التفاح والغازية وصولاً إلى جزين وإقليم الخروب، ومع التمادي في ذلك أطلق حزب الله العنان لسلاح دفاعه الجوي لإسقاط المُسيَّرة الإسرائيلية "هيرميس 450" التي تعتبر فخر الصناعات الجوية الإسرائيلية.
لم تقف هذه الرسالة عند حدودها العسكرية فحسب، بل، تعدتها إلى الأمنية، جُنَّ جنون إسرائيل التي أدركت أن سلاحها الجوي لم يعد بمأمن في الأجواء اللبنانية، فقامت بتوجيه ضربة لمدينة بعلبك التي تبعد عن أقرب نقطة حدودية حوالي 100 كيلومتر، يومها ادعت تل أبيب أنها قصفت مراكز استراتيجية لحزب الله بينما ظهر للعيان أنها لم تستهدف أكثر من مستودعات لتخزين الأغذية العائدة لإحدى المؤسسات الاستهلاكية المنضوية تحت لواء مؤسسات حزب الله المدنية.
ردُّ الحزب يومها كان مؤلماً حيث وصلت صواريخه إلى الجولان العربي السوري المحتل، وجاء التصعيد مشحوناً بالدلائل القطعية حول قدرات المتحاربين العسكرية والتدميرية.
وعلى الرغم من كل المساعي الدولية لاحتواء تداعيات خرق قواعد الردع، تبدو إسرائيل المحشورة في غزة وأمام مستوطنيها في شمال فلسطين المحتلة على الحدود اللبنانية، عازمة على ضرب أهداف لحزب الله ومنشآت وبنى تحتية، بعيدة عن الجنوب اللبناني، بالتزامن مع تصاعد لهجة التهديدات للبنان والتي كان آخرها على لسان وزير حربها يوآف غالانت، الذي رفض ربط مسار الحل في غزة بوقف العمليات في لبنان، لا بل عملت إسرائيل على الترويج لوجود قواعد صواريخ في جرود جبيل وكسروان وهو ما نفاه الجيش اللبناني بشكل قاطع، فهل تُمهِّدُ إسرائيل لتوسيع استهدافاتها نحو المناطق ذات الغالبية المسيحية في سعيها لحشر حزب الله أمام ضغوطات الشارع المسيحي في لبنان؟
يبدو جلياً أمام العيان أن الهدف الإسرائيلي من ذلك ما هو إلا نتاج انزعاجها من الضربات النوعية التي تتلقاها من حزب الله، وفشلها بإسكات فوهات نيرانه بعد ترويجها لهدفها الرامي بإبعاد حزب الله نحو شمال الليطاني.
تُدرِكُ إسرائيل جيداً استحالة ذلك، وهي التي خَبُرَت القتال الميداني مع الحزب في أكثر من مناسبة، فإن فشلت في ذلك عسكرياً هل ستتمكن من ذلك سياسياً؟!
يدفع ذلك إلى التهكم على إسرائيل وهي التي عَلِمَت برسالة أوصلها لها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بأن نقل الليطاني إلى الحدود أسهل من إبعاد مقاتلي حزب الله إلى شماله، فما هو الهدف الإسرائيلي من هذا التصعيد؟
تسعي إسرائيل أولاً إلى التفاوض بالنار مع لبنان بالتزامن مع تكثيف الاعتداءات لتحسين شروطها عند التوصل لاتفاق هدنة أو وقف إطلاق النار بشكل مؤقت أو دائم.
ويتلخص الهدف الثاني من خلال خرق قواعد الردع للضغط على حزب الله أولاً في الداخل اللبناني، وللإيحاء لمستوطني الشمال بأن جيشهم، الذي يُعاني في غزة، لا يزال بمقدوره تأمين الحماية لهم وتجنيبهم الكأس المُرّ الذي تجرَّعه سكان مستوطنات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول الماضي.
ويُجمع المراقبون على أن الوضع شديد الخطورة، فإسرائيل تُمَهِّدُ الطريق وتختلق الذرائع لضرب أهداف على كامل جغرافيا لبنان، وتستفز حزب الله عبر تدميرها لأحياء سكنية بعينها في مناطق جنوبية عِدَّة، الأمر الذي يؤشِّرُ إلى نية إسرائيل لاستهدافات أكثر حساسية وخطورة في المرحلة المقبلة، لتترجم تهديداتها إلى أفعال مستغلة بذلك الغطاء الغربي وعلى رأسه الأميركي، والجبهة المفتوحة، التي ترى فيها إسرائيل فرصة سانحة لمواجهة حزب الله الذي تُدرك أنَّه يمتلك قدرات عسكرية وكفاءات بشرية وقتالية هائلة، باتت تُشكِّل لها ولمستوطنيها في الشمال الهاجس الأكبر من جهة، والقناعة الأميركية والفرنسية باستحالة تجاوب الحزب مع المطالب بوقف ضرباته إسناداً لقطاع غزة.
ويُدرِكُ المتابع للصحافة العبرية من أن خطر الحرب الشاملة يقترب يوماً بعد آخر، فالتحليلات الإسرائيلية تؤكد نية رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وفريقه المتطرف على تعويض الخسارة في غزة تجنباً لنهايتهم أولاً، والخوف من أن تأخير إعادة حوالي الـ 150 ألفاً من مستوطني الشمال إلى منازلهم قد يدفعهم للعودة إلى بلدانهم الأصلية ثانياً، وهو ما يفتح شهية الآخرين للهجرة المعاكسة من إسرائيل التي تخوض حرباً ديمغرافية مع الشعب الفلسطيني في مناطق الـ 48 والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، فهل يكون لبنان المُتنفس لنتنياهو مهما بلغت الخسائر؟ وهل إصرار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على أنَّ الكلمة للميدان فقط قد تدفع للانزلاق نحو الحرب الشاملة؟ التي لن تكون نظراً لمستوى القوة العسكرية والتدميرية للطرفين سهلة النتائج على الأطراف كافة.