عزت ابو علي - LebanonOn
في العام 1948 قاد رئيس وزراء العدو الإسرائيلي دايفد بن غوريون حرباً ضد الفلسطنيين وسلب أرضهم بالمجازر، وأسَّس كيان الاحتلال المسمى بـ "دولة إسرائيل".
قصة السرقة الإسرائيلية لم تقف عند حدود فلسطين بل تعدته إلى الأراضي العربية حيث تم السطو على أراضٍ لبنانية وسورية ومصرية وأردنية، واليوم تمتد يد إسرائيل إلى خيرات القارة السمراء.
ولطالما حذَّر مسؤولون أفارقة من التوغل الإسرائيلي في القارة السمراء، خاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
هناك يبرز اسم دان غيرتلر البالغ من العمر 51 عاماً، الذي تقول عنه صحيفة هآرتس الإسرائيلية، وأفريكا-ريبورت وبلومبيرغ الأميركية إنه صاحب النفوذ الأكبر في أفريقيا.
نفوذ استمده غيرتلر من جده موشيه شنيتزر الذي أسَّس بورصة الألماس الإسرائيلية في العام 1947، والذي حصل في العام 2004 على "جائزة إسرائيل".
وانطلاقاً من موروث جده ووالده رسم غيرتلر مساراً لاستغلال معدن الألماس في أفريقيا، فبنى شبكة من العلاقات مكنته من السطو على هذا المعدن النادر.
قبل 18عاماً غادر غيرتلر إسرائيل إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، مستغلاً الاضطرابات والنزاعات الدموية، التي كانت تعيشها، حيث دعم لوران ديزريه كابيلا قائد المتمردين الذي كان في أمس الحاجة إلى المال والسلاح لشن هجومه على العاصمة كينشاسا، فمدَّه بـ 20 مليون دولار الأمر الذي مكَّن كابيلا من الانتصار على خصومه وتسلم السلطة.
ردَّ كابيلا الجميل لصديقه غيرتلر الذي حصل على حقوق استخراج المعادن بأسعار رمزية، وتعهَّد غيرتلر بضمان الدعم الدولي لنظام كابيلا من الدول الغربية بعد اتهامات له بارتكاب جرائم حرب.
تابع غيرتلر ما بدأه مع كابيلا الأب بعد اغتياله مع نجله جوزيف كابيلا واستغل رجل الأعمال الإسرائيلي نقص خبرة الرئيس الصغير في السن في المجال السياسي، وعمل على تعزيز مصالحه، وقام كابيلا الابن بتفويض غيرتلر للتفاوض مع الولايات المتحدة بهدف كسب دعمها ودعم المجتمع الدولي ضد خصومه.
هذا الأمر مكَّن غيرتلر من السيطرة على تصدير الألماس والذهب والنفط والكوبالت والحديد في الكونغو واستحوذ على 99% من مجمل صادراتها، والسيطرة على القطاع الزراعي والمصرفي.
إثر توسع نشاطاته أسَّس غيرتلر مجموعة "دان غيرتلر العالمية" التي يُقَدَّر رأسمالها بنحو 2 مليار دولار.
لم ينسَ غيرتلر إسرائيل حيث كشفت تقارير أعدها الخبير في الشؤون الأفريقية مارتن بلوت عن شخصيات حكومية إسرائيلية تحت قيادة بنيامين نتنياهو، قدمت العون لغيرتلر، وعلى رأسهم يوسي كوهين الذي كان يتولى إدارة الموساد، والذي زار الكونغو 3 مرات، بهدف التوسط لصالح غيرتلر لدى الرئيس جوزيف كابيلا وضمان استمرار امتيازاته مع خلفه الرئيس فيليكس تشيسيكيدي.
ووفقاً للتقارير فإن غيرتلر لم يكن سوى مُسيِّراً لمصالح إسرائيل المتعطشة لمعادن الكوبالت والليثيوم والكولتان لاستمرار رسم تفوقها التقني عالمياً، حيث تُعَدُّ هذه المعادن العمود الفقري لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية، والموصلات، وتكنولوجيا الشرائح الإلكترونية المتطورة، وكذلك في صناعة الهواتف الذكية والحواسيب، ناهيك عن دورها الجوهري في قطاع التصنيع العسكري الإسرائيلي.
لكن إسرائيل تهدف أيضاً لاستخدام الكونغو كساحة استراتيجية لها، فالكونغو هي الرافد الأساسي لهذه المعادن، بنسبة 70% من الإنتاج العالمي للكوبالت و80% من الكولتان، وهي لذلك تُقدم الدعم للفصائل المسلحة في الجمهورية الأفريقية المتوترة لضمان مصالحها، ليس هذا فحسب، بل إن إسرائيل تنشر جنوداً وعناصر استخبارات للعمل هناك للحفاظ على مصالحها، وظهر ذلك عندما استعادت بعضاً منهم للمشاركة في العمليات العسكرية البرية في غزة في العام الماضي، وكل ذلك بحسب التقارير.
في العام 2017 ظهرت فضائح غيرتلر وسرقته ثروات الكونغو لصالح إسرائيل، حين اتخذت وزارة الخزانة الأميركية قراراً بتطبيق عقوبات ضده استناداً إلى قانون ماغنيتسكي، وصرحت الوزارة أن غيرتلر تمكن من جمع ثروة هائلة من خلال عقود ملتبسة في قطاعي التعدين والنفط، تقدر بمليارات الدولارات في الكونغو، مستغلاً علاقته القوية مع الرئيس الكونغولي حينها جوزيف كابيلا، لكن ذلك لم يضع حداً لأنشطته، ففي العام اللاحق، توسع نطاق العقوبات المفروضة عليه على خلفية حصوله على تراخيص تعدين بأسعار منخفضة من الحكومة الكونغولية ومن الشركات الحكومية، ومن ثم إعادة بيعها لشركاء دوليين بأرباح طائلة، وشملت الاتهامات غيرتلر وشركاته بتمويل مليشيات متمردة والاستيلاء على مدفوعات كانت من المفترض أن تعود للدولة في الكونغو ومؤسساتها الرسمية.
لكن ذلك لم يدم طويلاً فخلال الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، حصل غيرتلر على ترخيص سري يمتد لمدة عام يعفيه من العقوبات، بعد جهود مكثفة من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، لكن ومع ضغوط النشطاء المعنيين بمكافحة الفساد وأعضاء في الكونغرس الأميركي، اضطرت إدارة الرئيس جو بايدن لإلغاء هذا الترخيص، الذي لم يرق للسفير السابق لإسرائيل في الولايات المتحدة رون ديرم الذي وصفه نتنياهو في مناسبات كخليفة محتمل له، وقام ديرمر بمحاولات عدة لإزالة غيرتلر من قائمة العقوبات الأميركية.
عقوبات فتحت شهية خصوم غيرتلر في الكونغو حيث اتهموه بتكبيد الخزينة خسائر تزيد عن 3.71 مليار دولار نتيجة لصفقات التعدين والنفط المشبوهة، وهو ما حوَّله إلى معضلة كبرى لحكومة الكونغو التي هددته بإعادة النظر بعقود الاستغلال الحصري لتلك المناجم.
وخلال شهر شباط الجاري كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن كيفية تهرّب غيرتلر من العقوبات الأميركية عبر إخفائه لمنجم نحاس وكوبالت تُقدر قيمته بحوالي 1.5 مليار دولار، متجاوزاً بذلك القيود المفروضة عليه، لكن نشطاء "الكونغو ليست للبيع" سخروا من هذا التقرير وأكدوا أنَّ هذه العقوبات شكلية لأن غيرتلر ينفذ مصالح إسرائيل في بلادهم، وبالتالي مصالح الولايات المتحدة، وشدَّدوا على أن غيرتلر ما هو إلا موظف إسرائيلي بسيط لتسيير أمور الإمبراطورية الأميركية في أفريقيا.