عزت ابو علي - LebanonOn
لم يكن اليهود على مستوى العالم منذ القدم إلا جماعة تحظى بنمط حياة خاص، فهم منذ ما قبل التاريخ عاشوا في مجتمعات ترفض وجود "الغرباء"، لكنَّ مواقعهم الدولي الجديد أخرجهم من خلف أسوارهم، إلى أن جاءت عملية طوفان الأقصى.
في العام 1516 أُقيم لليهود أول "جيتو" في روما عاصمة إيطاليا، واستُخدِمَ هذا المصطلح للدلالة على أحيائهم في أوروبا.
أحياء أُطلق عليها اسم "جيتو"، فيما أطلق عليه البعض اسم "الحي الرابع"، وهو عبارة عن جزء من المدينة تعمد الدولة إلى إسكان اليهود فيه، لتسهيل معرفة تحركاتهم ومراقبتهم، وسبب التسمية أنَّ المدينة كانتْ تُقَسَّم إلى أربعة أقسام، أو أربعة أحياء، وكان أحد هذه الأحياء يُخَصَّص لليهود.
تميَّز الجيتو بأسواره العالية وأبوابه المرتفعة، حيث كان يوضع حارس على كل باب لمنع اليهود من مغادرة أحيائهم في ساعات الليل، أو في الأعياد المسيحية، بينما كان اليهود يستأجرون حراساً لهم لحراستهم في الليل، وغرف هذه الحراسة تقع فوق أسطح المباني وتوزع على الحي كله.
استمر هذا الوضع إلى ما بعد الثورة الفرنسية التي ألغت هذه الأحياء، وكان العام 1870 نهاية أول جيتو ليهود روما في التاريخ.
لكن فترة الأربعينيات من القرن الماضي وتحديداً خلال الحرب العالمية الثانية أعادت الجيتو مرة أخرى على أيدي النازيين للتعجيل بالحل النهائي للقضية اليهودية، لكن الأمر لم يطل حيث تمَّت تصفية جيتو وارسو بعد التمرد الكبير الذي نظمه يهود أوروبا الشرقية في نيسان من العام 1943.
كان الفرار من الجيتو لدى قطاع من اليهود بمثابة خروج للحرية، والاندماج في الشعوب الأخرى، لكن ذلك تمَّت مواجهته من قبل الرافضين الذين أقنعوا اليهود بأن ذلك يمنحهم بُعد النظر، والاحتياط للطوارئ، بالإضافة إلى الذكاء وسرعة التصرف مع المستجدات.
وعندما احتل اليهود فلسطين في العام 1948 سارعوا إلى إنشاء المستوطنات والجيتوات واعتبروها الحصن الذي يعيشون بداخله، كي يحافظوا على هويتهم، ويدافعوا عن أنفسهم من خطر ما أسموه الاضطهاد المحتمل في أي وقت، وكل هذا كان نابعاً من اعتقادهم بأنهم شعب مكروه.
لكن ومع التغييرات على الصعد كافة تخلَّى اليهود عن هذا المجتمع إلى حد كبير خاصة مع خطط الاستيطان التي فرضت عليهم واقعاً يُفيد بسكنهم إلى جانب الفلسطينيين، لكن فكرة الجيتو لم تذهب من البال.
وعلى وقع العمليات التي استهدفتهم في فلسطين وخوفهم الشديد على حدود لبنان ومصر، أعاد اليهود إنشاء الجيتو لكن بشكل أوسع حينما بنوا جدراناً محصنة بوسائل التكنولوجيا الحديثة.
لكن هذه الجدران لم تمنع حركات المقاومة الفلسطينية من إسقاطها، حينما تم اقتحام جدار غزة والوصول إلى عمق مستوطنات غلاف غزة وحصل ما حصل جراء ذلك خاصة العودة بمئات الرهائن إلى غزة.
عملية طوفان الأقصى أعادت لأذهان اليهود فكرة الجيتو، وألمح وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير للأمر، حينما أطلق عمليات تسليح لعشرات الآلاف من المستوطنين، وتحدث العديد من المستوطنين عن فكرة الجيتو التي تحمل لهم الأمن والأمان.
الخطر من مساعي حكومة بنيامين نتنياهو تحويل فلسطين بأسرها إلى جيتو كبير، بعد انكشاف مخططات تهجير أبناء غزة إلى سيناء والضفة الغربية المحتلة إلى الأردن وما يسمى عرب الـ 1948 إلى لبنان، واليوم ترى إسرائيل أن الفرصة مؤاتية مع عدوانها المفتوح على غزة وجنوب لبنان والتهديدات المستمرة لمصر بجعل سيناء وطناً بديلاً لأبناء غزة، ورفضها مبدأ حل الدولتين، فهل تريد إسرائيل تحويل فلسطين التاريخية بأسرها إلى قفص حديدي تقاتل من تقول بإنهم الأعداء من خلفه والاتجاه نحو توسيعه إن أمكنها ذلك لتحقيق مزاعمها التاريخية التلمودية التي تهدف للسيطرة على كل الأراضي ما بين نهري الفرات والنيل وتهجير شعوبها؟