عزت ابو علي – LebanonOn
عشية إسدال الستار عن الشهر الرابع لمعركة طوفان الأقصى ودخول شهرها الخامس، لا تزال أهداف العدو الإسرائيلي مجرَّد أوهام بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجيشه، الذي لم يُفلِح إلَّا بقتل وجرح عشرات الآلاف من سكان غزة وتدمير القطاع وتحويله إلى أنقاض.
فعملية طوفان الأقصى بحسب الكاتب والباحث العميد خالد حمادة ليست مجرد جولة جديدة من القتال مع العدو الإسرائيلي بل سلسلة نجاحات ميدانية يومية تحققها المقاومة الفلسطينية في حرب غير متكافئة تستخدم فيها كل وسائل القتل والتدمير.
ويرى العميد حمادة أن العدو كان مخطئاً بكل التقديرات، فتل أبيب اعتبرت عند إطلاق عمليتها البرية، أن اكتساب السيطرة الجوية على سماء غزة، والدفع بقواتها المدعومة بالدبابات إلى داخل مدن القطاع يكفي لإنجاز المهمة والقضاء على حركة حماس، لكن حقيقة الميدان أظهرت اصطدام الحملة البرية بساحة معركة أخرى وهي شبكة واسعة من الأنفاق الخرسانية المسلحة بنتها حماس على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، وأضحت تشكل الجزء الأهم من بنيتها التحتية العسكرية، ليس هذا فحسب، بل، شكَّلت الأنفاق نقطة الضعف الكبرى التي واجهت نظام المعركة لدى العدو الإسرائيلي وأدت إلى إخفاق العملية البرية برمتها، حيث شكلت حرب الأنفاق واحدة من أكثر أشكال القتال فتكاً وتعقيداً، وقد فشلت الوسائل المستخدمة للحد من دورها، بما في ذلك طائرات "B-52"، قاذفات اللهب، الأسلحة الحرارية، القنابل الخارقة للتحصينات وغيرها من الصواريخ الجوية الموجهة بدقة، في القضاء على المقاومة التي تعمل في أنفاق أعدها المقاتلون بعناية شديدة.
ويصف العميد حمادة أنفاق غزة بالبيئة الميدانية المكتملة التعقيد حيث تنعدم الرؤية، وتصبح الاتصالات متعثرة، ويتعذر استخدام نظام تحديد المواقع أو إطلاق النار، ويرتسم هنا سؤال كبير حول مدى قدرة إسرائيل على تدمير شبكة الأنفاق وحول المجال الزمني المتاح لذلك، وما هي نتائج ذلك على المعركة البرية ومسار الحرب في غزة؟
يرى العميد حمادة أن تقدير قادة العدو كان خاطئاً عندما اعتقدوا أن استخدام الأنفاق يقتصر على التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية، وتنفيذ هجمات لاختطاف جنود أو مدنيين، لذا كان التركيز الإسرائيلي مقتصراً إلى حد كبير على الأنفاق العابرة للحدود، ومنذ عام 2014، تحولت إسرائيل إلى نهج أكثر تخصصية حين أنشأت وحدات النخبة المتخصصة في حرب الأنفاق، وبنت هياكل لأنفاق خاصة بها لتدريب هذه الوحدات، ونتيجة لذلك، دخل جيش العدو الحرب في غزة وهو واثق من امتلاكه المهارات العسكرية الأكثر تقدماً في اكتشاف الأنفاق ورسم خرائطها وتحييدها وتدميرها، لكن التحضيرات الإسرائيلية أثبتت عدم كفاءتها في المواجهة مع الواقع في غزة، إذ استمر التهديد المتمثل في القتال في بيئة تحت الأرض بشكل غير مسبوق، حيث تبين أن التقنيات المبتكرة التي استخدمتها حركة حماس أفضت إلى توفير ظروف الحياة للمقاتلين والرهائن تحت الأرض لفترة غير مسبوقة، وتكبدت الوحدات الأكثر تخصصاً في جيش الاحتلال خسائر كبيرة عند مداخل الأنفاق المفخخة وفي داخلها.
ويُشدِّد العميد حمادة على أن شروع قوات العدو في استخدام الجرافات المدرعة لكشف فتحات الأنفاق وإغلاق أو تدمير الكثير منها كإجراء مؤقت، لم يكن في محله، فقوات الاحتلال أعتقدت أن ذلك سيتيح لها مواصلة تقدمها وتأمين سلامتها، لكن هذه الفتحات المؤدية إلى ممرات الأنفاق، ومنها إلى شبكة الأنفاق الأوسع، التي غالباً ما تكون مموهة ومفخخة قد تحولت إلى ثقوب مميتة في الأرض، ومكَّنت هذه الحفر مقاتلي حماس من الخروج من الأرض، وإطلاق الأسلحة الآلية أو قاذفات الصواريخ على القوات والآليات، والانكفاء داخل الخرسانات الإسمنتية في غضون ثوان قليلة.
وبعد فشل هذه الخطة لجأت الوحدات العسكرية للاحتلال إلى تقنية استطلاع شبكة الأنفاق وذلك برسم خارطة لها ومعرفة المزيد عنها حيث يبقى الجنود على السطح، ثم يبادرون بعدها إلى دخول الأنفاق بأمان لجمع المعلومات الاستخبارية والبحث عن الرهائن، وقد استعانت القوات الإسرائيلية لذلك، أولاً، بإرسال روبوتات وطائرات دون طيار مزودة بكاميرات فيديو إلى الأنفاق، وثانيا بكلاب يمكنها اكتشاف المتفجرات أو الأشخاص، لكن هذا الأمر لم يوصل إلى الهدف المنشود، حيث اصطدمت عمليات الاستطلاع بالوقت المتاح لتنفيذ العمليات، إذ لا يمكن للروبوت أن يقطع أكثر من كيلومتر واحد في الساعة، فيما تعمل قوات العدو في بيئة عسكرية معقدة تجمع بين حرب المدن وحرب الأنفاق وعمليات البحث والإنقاذ والعمل حول الأفخاخ المتفجرة، وتجنب الهجمات المفاجئة، هذا بالإضافة إلى أن عمليتي الاستطلاع كما الدخول إلى الأنفاق بعد الاستطلاع اصطدمتا في أحيان كثيرة بأفخاخ وكمائن محضرة أعدتها المقاومة، مما رفع نسبة المخاطر وأدى إلى سقوط الكثير من القتلى، وقد أفضى التعامل مع الأنفاق في غزة كما في حروب سابقة تحت الأرض إلى زعزعة عمل القوات والتسبب في خسائر كبيرة، وجعل ما يُسمى النصر الإسرائيلي سراباً.
ويلفت العميد حمادة إلى أنه أصبح من المسلم به أن إسرائيل غير قادرة على اكتشاف أو رسم خريطة لشبكة أنفاق حماس بالكامل، كما يمكن القول إن تدمير شبكة أنفاق حماس هو الجزء الأصعب من مهمة الجيش الإسرائيلي في غزة، حيث تشير التقديرات إلى أن طول هذه الشبكة يصل إلى 500 كيلومتر، وهي أطول من مترو أنفاق لندن، ويطلق عليها اسم مترو غزة، فحاول العدو بعد ذلك اللجوء إلى ضخ كميات كبيرة من مياه البحر إلى الأنفاق بهدف إغراقها، لكن المحاولة باءت بالفشل، فحماس أخذت بعين الاعتبار هذه الاحتمالية أيضاً وأوجدت لها الحل المُسبق.
ويؤكد العميد حمادة أن التاريخ سيكتب الكثير عن عملية طوفان الأقصى ودقائقها الميدانية وما أضافته من تقنيات إلى نظام المعركة القريبة في مواجهة عدو متفوق، لا سيما في مجال استدامة القدرة لدى الوحدات الصغرى المستمرة على اكتساب المعلومات، ومتابعة العدو وإدارة المعركة القريبة معه من مسافات صفرية، واستدراجه إلى الكمائن والأفخاخ، هذا بالإضافة إلى التقنيات المستخدمة للاحتفاظ بمنظومة القيادة والسيطرة والاتصال، رغم الصعوبات التي تفرضها ظروف الميدان وضراوة القصف الذي يطال المستشفيات والمدارس والمجمعات السكنية، حيث لم يتوانَ العدو عن إعلان نيته في جعل غزة غير قابلة للحياة، ويعتبر العميد حمادة أن العدو الإسرائيلي يحاول عبثاً البحث عن طريقة لتدمير شبكة الأنفاق أو تحييدها، فيما تبقى قواته في مرمى نيران المقاومة حيث يتم اكتشاف أنفاق إضافية كل يوم، ويرى أنه وفي ظل عدم وجود متسع من الوقت لاستكمال العملية البرية بهدف استعادة الرهائن وتدمير حماس والعجز الإسرائيلي الميداني وتفاقم التوترات في الشرق الأوسط، تصبح مسألة تدمير الأنفاق هدفاً يستحيل على العدو الإسرائيلي تحقيقه.