عزت ابو علي - LebanonOn
لا تعني عودة الانتظام إلى عمل المؤسسات الدستورية في لبنان أنَّ كل شي يسير على ما يرام، فالجريمة التي تُرتَكب بحق الشعب اللبناني في برلمانه تَحمِلُ أخطر المؤشرات على ما هو قادم وبتوقيع من ائْتُمِنُوا بوكالة من الشعب لتمثيله لمدة 4 أعوام.
اجتمع نواب الأُمَّةِ تحت سقف البرلمان لمناقشة الموازنة العامة قبل إقرارها، لم يتغيَّر شي، فبداية الجلسة كما سابقاتها، تراشق كلامي حاد بين ممثلي الشعب ومزايدات وسعي كل طرف لتسجيل نقاط على حساب الآخر.
بعد حفلة الصراخ، انتقل المجتمعون إلى التباكي على بنود هذه الموازنة، وكأنَّها أتت من كوكب آخر يتيمة لا أم ولا أب لها!.
ومع السقف العالي للكلمات التي وصف المراقبون غالبيتها بـ "الثرثرة"، ظنَّ المواطن أن النواب أتوا فقط للقول للحكومة إنَّ لا ثقة بهذه الموازنة، لكن الحقيقة مغايرة لذلك كلياً.
يقول الخبير الاقتصادي عماد شدياق في حديث لـ LebanonOn إنَّ الكتل النيابية حضرت دون تسجيل غياب للتصويت بـ "نعم" لتمرير هذه الموازنة، والدليل تصاريح أصحاب السقوف الكلامية العالية بأنهم وُضعوا أمام خياريين "السيء" أو "الأسوأ"، بمعني أن الخيار الأول هو التصويت عليها بينما الثاني هو عدم إقرارها، وبالتالي فهي ستمُرُّ في البرلمان لا محالة.
يصف الشدياق الموازنة بالأقرب إلى دفتر حسابات منها إلى موازنة، حيث بلغ مجموع النفقات 295 ألف مليار و113 مليار و451 ألف ليرة، أي ما يوازي 3.3 مليارات دولار أميركي على أساس سعر صرف 89.400 ليرة للدولار، وفقاً لمتوسط السعر الفعلي للدولار المحدد على موقع وزارة المال، وفي المقابل، بلغ مجموع الإيرادات الرقم نفسه، أي بمجموع 3.3 مليارات دولار أميركي، ويتوزع بين الإيرادات الضريبية، وقد بلغت نسبتها 77.8% من مجموع الإيرادات، والايرادات غير الضريبية التي بلغت نسبتها 22.1% من مجموع الواردات.
وحول هذه الأرقام يقول الشدياق إنها لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فمن ذا الذي يضمن أن يلتزم الجميع بدفع متوجباتهم؟!، خاصة وأن الموازنة بصيغتها تشجع على التهرب الضريبي، ومن هو المتأكد من أن المؤسسات التي تحصِّل هذه الإيرادات سوف تعود لفتح أبوابها في ظل إضراب الموظفين؟ ويُشدِّد شدياق على أن هذه الأرقام غير دقيقة ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، ويؤكد أنه وفي حال إجراء قطع حساب في نهاية العام فإن الخلل سيظهر بين النفقات والواردات بشكل فاضح.
وفي هذا الإطار، يقول الشدياق إن هذه الموازنة هي تسليم واعتراف تام بالعجز عن تصحيح أي مسار لمعالجة الوضع الصعب، في ظل غياب الإصلاحات ومعالجة المشاكل الإدارية والخدماتية الصعبة للمواطنين، وبعدم قدرة الخزينة العامة على تحصيل وجباية الضرائب والرسوم المستحقة.
ومما يلفت النظر أن حوالي نصف الموازنة هي لمخصَّصات الرواتب والأجور للقطاع العام، ما يعني أن الموازنة لم تقدم أي شيء للصيانة وإصلاح المؤسسات ولتحسين رواتب وأجور العاملين بالقطاع العام الذين سيقومون بجباية الإيرادات، ولا ترقى أرقام الوزارات خاصة المهمة منها كالصحة والأشغال إلَّا لمستوى النفقات التشغيلية وبحدِّها الأدنى، فهل يُعقل ذلك؟!.
ووسط غياب "خدمة الدين العام"، تكاد النفقات الاستثمارية تتلاشى من مشروع الموازنة، فكيف ببلد يحاول النهوض من كبوته الاقتصادية أن يعبر نحو شاطىء الأمان من دونها؟ وهنا يلفت الشدياق إلى أن لبنان يعتبر بلداً سياحياً وَيَدُرُّ هذا القطاع عائدات ضخمة من العملة الصعبة، وبالتالي فإن على الحكومة تعزيز البنى التحتية من وسائل اتصال ومواصلات وغير ذلك لتشجيع السائح على أن يقصد لبنان، لكن كل ذلك يغيب.
ويتهم الشدياق الحكومة بالبحث عن أسهل الطرق لجني الإيرادات ولو عبر الضرائب غير المدروسة، وسط غياب الخطط الخمسية أو طويلة الأمد.
وعن الآثار الاجتماعية لهذه الموازنة يحذِّر الشدياق أنه وسط العجز بميزان المدفوعات والكذب بموضوع الإيرادات وغياب النفقات الاستثمارية والخطط الإصلاحية والانقاذية والضرائب المُرهقة، فإن العديد من المؤسسات التي تعمل تحت سقف القانون ستقفل أبوابها مما سيؤدي إلى رفع نسبة البطالة، وبالتالي هجرة المؤسسات والشباب اللبناني للبحث عن فرص خارج لبنان.
وعن الحلول يرى الشدياق أنها وبكل بساطة عدم منح النواب الثقة لهذه الموازنة وبالتالي لن تستطيع الحكومة إقرارها بمرسوم، بل ستعاود العمل لإعداد موازنة تُحقق مصالح اللبنانيين.
وعن تأثير ذلك على الدولار طمأن الشدياق أن مرحلة صعود الدولار انتهت إلى غير رجعة، ليس بسبب الخروج من الانهيار، بل، لأن اللبناني نجح بالتطبيع مع هذه الأزمة والدولرة باتت موجودة في كل مفاصل حياة المواطنين.
وحول دستورية الموازنة أكد مصدر قانوني مطلع لـ LebanonOn أنها تضمنت مخالفات دستورية جسيمة، من قبيل أن مشروع القانون الذي أحيل من الحكومة إلى مجلس النواب ليس هو نفسه المشروع الذي وافق عليها مجلس الوزراء بتاريخ 12/9/2023، إذ قامت وزارة المال بتعديلات جوهرية على المشروع هدفت في غالبها إلى دمج بنود مشروع موازنة 2023 فيها، انسجاماً مع توصية لجنة المال والموازنة النيابية، بالإضافة إلى عدم إرسال مشروع قانون يتعلق بقطع الحساب عن عام 2022، فضلاً عن تضمين الموازنة تسوية ضريبية سبق أن أبطلها المجلس الدستوري، ويأتي ذلك وسط مخالفة الحكومة لمبدأ سنوية الموازنة، كما لحظت الضرائب المباشرة لا عدالة في ظل غياب الالتزام بسعر صرف موحَّد، إذ أدخلت لجنة المال تعديلات على آلية فرض الضرائب الواردة في مشروع الحكومة لجهة الشطور والتنزيلات، مضاعفة إياها بـ 60 مرة بالنسبة إلى ما كانت عليه في 2019، أي ما يوازي نسبة انهيار سعر الصرف وفق سعر السوق الموازي.