عاجل | الحدود اللبنانية – "الإسرائيلية": قصة المأساة ورحلة كفاح لبنان في استعادة حقوقه المهدورة

خاص ON | عزت ابو علي | Saturday, January 20, 2024 9:48:00 AM

عزت ابو علي – LebanonOn

إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية وانسحابها من المشرق العربي بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، حلَّت القوات الفرنسية والبريطانية في هذه المنطقة.

وكانت فرنسا وبريطانيا قد قسمتا المنطقة فيما بينهما من خلال الاتفاقية الشهيرة "سايكس – بيكو"، حيث خضع لبنان وسوريا لوصاية فرنسية فيما أضحى العراق والأردن وفلسطين تحت الوصاية البريطانية.

هذا التقسيم دفع الدولتين العظمتين لرسم الحدود فيما بين الدول التي احتلتها لتحديد مصالحهما.

ففي العام 1923، تم ترسيم الحدود النهائي بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني بين لبنان وفلسطين آنذاك، حيث مثَّل الانتداب الفرنسي المقدّم بوليه ومثَّل بريطانيا المقدّم نيوكومب، ووقِّع الاتفاق في 7 آذار 1923، وتضمَّن 38 نقطة فصل بين لبنان وفلسطين، بالإضافة إلى النقطة 39 على الحدود المشتركة اللبنانية ــ السورية – الفلسطينية المشتركة، من رأس الناقورة إلى منطقة الحمّة السورية، وقدّ حُدِّد النطاق بعلامات موصوفة ومرقمة، وأودع الاتفاق في عصبة الأمم وتم التصديق عليه كوثيقة دولية في 6 شباط 1924.

كل شيء كان يسير على ما يرام لكن العام 1948 الذي شهد تأسيس الكيان الصهيوني غيَّر كل شيء، وبدأت رحلة لبنان مع معاناته الحدودية.

فرض تأسيس كيان العدو الإسرائيلي، وحرب العام 1948، اتفاقية هدنة لبنانية ــ "إسرائيلية" بتاريخ 23 آذار 1949، ووقع وصادق عليها مجلس الأمن الدولي، وبموجب المادة الخامسة، شُكلت لجنة عسكرية لبنانية ــ "إسرائيلية" بإشراف الأمم المتّحدة، وبعد اجتماعات مطولة للجنة الهدنة، شارك فيها عن الجانب اللبناني المقدم شهاب، النقيب غانم، النقيب ناصيف، ومن جانب العدو كل من الضابطين غوزنسكي وسيجال، تم الاتفاق على رسم الحدود على أساس اتفاق بولييه ونيو كمب (1923)، وعلى أن تتناول الأعمال إعادة وضع إشارات ونقاط الحدود في مكانها، وكذلك وضع إشارات أو نقاط متوسطة بين النقاط الـ 38 الأساسية، وهي من النقطة BP2 الناقورة لغاية BP38 الجسر الروماني على نهر الوزاني.

وفي العام 1961، عقدت لجنة الهدنة اجتماعاً وتم الاتفاق على وضع العلامات الحدودية الـ 38 وأُطلق عليها تسمية BP وتمّ زيادة نقاط وسيطة أُسمِيَت B وعددها 97، فيما بلغ عدد الـ BP 8 نقاط، وفيما بقي الموقف اللبناني مستنداً على اتفاقية بولييه ــ نيوكمب واتفاقية الهدنة، أقرَّ العدو الإسرائيلي بالاتفاقيتين، لكنه تحفّظ على ما أسماه "دقة" الخرائط لترسيم الحدود.

لكن العدو الإسرائيلي لم يحترم هذه الحدود حيث شنَّ اعتداءات متواصلة على لبنان منذ العام 1978 واحتل أجزاءً واسعة من الأراضي اللبناني، ولم يحترم القرارات الدولية التي دعت لانسحابه، لكن ذلك تحقق تحت ضربات المقاومة اللبنانية، ففي الـ 25 من أيار من العام 2000 انسحبت قوات الاحتلال من الأراضي اللبنانية ولكن بشكل غير كامل، حيث أُطلقت عملية ترسيم للحدود فيما عُرِفَ يومها بـ "الخط الأزرق"، حيث تسلَّم الجانب اللبناني خريطة كناية عن صورة جوية أُسميت "خريطة لارسن" نسبة لتيري رود لارسن المنسق الخاص السابق للأمم المتحدة لـ "عملية السلام"، وقد أجريت عليها دراسة، وتم وضع ثلاثة تحفظات لبنانية في نقاط BP16 "رميش"، BP35، BP36، BP37 "مسكاف عام" و BP39 "المطلة"، ثم بتاريخ 23 حزيران 2000، تسلَّم لبنان من اليونيفيل، لائحة إحداثيات مؤلَّفة من 198 نقطة، إلا أن لبنان تحفَّظ على مزارع شبعا والجزء اللبناني من بلدة الغجر.

أمَّا بعد عدوان تموز 2006 على لبنان، فتمَّ وضع لائحة مؤلَّفة من 584 نقطة، وتمَّ قياس 268 نقطة ووضع العلامات عليها، وتم تعليم 247 نقطة، أمَّا النقاط الباقية، فهي 178 نقطة، تقع داخل مناطق "مُتحفَّظ عليها" أُممياً وهي 13 منطقة، وهذه المناطق الـ 13، لا يعتبرها لبنان "مُتحفَّظ عليها"، بل نقاط لبنانية مئة في المئة استناداً لاتفاقية الهدنة واتفاقية بولييه ــ نيوكمب، والذي عمل واضعو "الخط الأزرق" على حرمان لبنان منها.

لذا فالخط الأزرق هو الخط الفاصل الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان من جهة و "إسرائيل" وهضبة الجولان المحتلة من جهة أخرى، ولا يعتبر الخط الأزرق حدوداً دولية لكنه وُجِدَ بهدف وحيد هو التحقق من الانسحاب الإسرائيلي من لبنان.

ويبلغ طول الخط الأزرق 120 كلم، ويحصر لبنان المناطق التي يختلف فيها مع "إسرائيل" عبر الخط الأزرق في 13 نقطة تمتد من مزارع شبعا "جنوب شرق"، إلى بلدة الناقورة "جنوب غرب"، في قضاء صور بمحافظة الجنوب، ولا يُمثل الخط الأزرق بأي شكل من الأشكال حدوداً دولية، ولا يدخل بأي اتفاقات حدودية مستقبلاً بين لبنان والعدو الإسرائيلي.

وبعد 24 عاماً على الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، يجري التعامل مع ما يسمى بـ "الخط الأرزق" أو "خط الانسحاب" من قبل الدول الغربية والأمم المتحدة وبعض اللبنانيين، وكأن هذا الخط هو خط الحدود الفعلي بين لبنان وفلسطين المحتلة.

لكن الحقيقة تقول إن العدو الإسرائيلي يقضم مساحة واسعة من الأراضي اللبنانية بناءً على حدوده الدولية المُرسَّمة قبل إنشاء كيان الاحتلال، وتبلغ مساحة هذه الأراضي 485039 متراً مربعاً، ويتشبَّث العدو الإسرائيلي بهذه المناطق لأهميتها الاستراتيجية، حيث تُعّدُّ النقطة الأولى في رأس الناقورة منطقة مهمة للغاية، أولاً لتأثيرها على مجرى ترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، ثم لأنها تملك امتيازاً جغرافيّاً، يسمح لمن يسيطر عليها بالإشراف النظري على مساحة هائلة من البحر والبر الفلسطينيين، انطلاقاً من شاطئ مستوطنة "روش هانيكرا" الملاصق لرأس الناقورة وصولاً إلى رأس مدينة حيفا المحتلة.

وبالإضافة إلى هذه النقطة الاستراتيجية هناك 3 نقاط في منطقة علما الشعب، ونقطة في كلٍ من بلدة البستان مقابل بلدة يارين، مروحين، رميش، يارون – مارون الراس، بليدا، ميس الجبل، العديسة، العديسة - كفركلا والوزاني.

ويضاف إلى هذه المناطق الـ 13 منطقة مزارع شبعا التي تصل مساحتها إلى ما يقارب 250 كلم مربعاً، وأقدمت إسرائيل على احتلال هذه المزارع بشكل تدريجي، وأولى مراحل هذا الاحتلال كانت في 5 حزيران 1967، وعملياً بعد انتهاء الحرب تابعت إسرائيل في السبعينيات احتلال قسم من المزارع، وفي أواخر السبعينيات احتلت قسماً آخر، وتتابعت عمليات الاحتلال للأجزاء الأخرى في الأعوام 1982، 1985، 1989، وتتبع مزارع شبعا إدارياً قضاء حاصبيا، ويبلغ عدد مزارعها 14 مزرعة، تسكنها 1200 عائلة بشكل دائم، و600 عائلة في موسم الشتاء، وفيها ملكية لأكثر من 1000 عائلة أخرى، ويبلغ عدد المنازل الموجودة فيها 1458 منزلاً.

وتنتشر مزارع شبعا، في موقع جغرافي يحظى بأهمية إستراتيجية بالغة على ملتقى الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، وتتميز هذه المنطقة بقممها الجبلية العالية التي تصل إلى حوالي 2600 متر، والمطلة على هضبة الجولان، وسهل الحولة، والجليل، وجبل عامل، وسهل البقاع، ويقسم جيش العدو الإسرائيلي الحدود إلى منطقتين شرقية وغربية.

فالمنطقة الغربية تغطي المناطق الواقعة بين أراضي قرية صلحا والناقورة اللبنانية، بطول 50 كلم، أما الشرقية فتمثل موقع الرادار العسكري للتجسس، وهو أكبر موقع لقوات العدو من الناقورة إلى شبعا، وتشمل الأشغال في هذه المنطقة تغيير التضاريس، كبناء المنحدرات، حفر الخنادق واقتلاع الأشجار.

وبالإضافة إلى ذلك هناك تلال كفرشوبا التي تُعتبر نقاطاً استراتيجية حاكمة، بالإضافة إلى القرى السبع التي يُقيم فيها الاحتلال مراكز عسكرية وسكنية لمستوطنيه.

وفضلاً عن الحدود الدولية والخط الأزرق، يُقيم الاحتلال ما يُعرف بالسياج التقني وهو سياج مجهز بوسائل إلكترونية وضعه جيش العدو الإسرائيلي بمحاذاة الطريق الذي تسلكه دورياته على طول الخط الأزرق، يتطابق مع الخط الأزرق في بعض الأماكن ويخرقه في عدد من النقاط، كما أنه يبتعد عنه في أماكن أخرى حسب طبيعة الأرض ولمسافات قد تصل أحياناً إلى 200 متر، معظم المواطنين اللبنانيين أصبحوا يعرفون أن السياج التقني ليس الخط الأزرق وذلك من خلال حملات التوعية التي يقوم بها الجيش اللبناني بالتعاون مع اليونيفيل لشرح ذلك.  

لم تقف اعتداءات "إسرائيل" عند هذا الحد فهي شرعت بالقيام ببناء "الجدار الفاصل" الذي لا يتطابق مع خط الحدود الدولية الذي يعترف لبنان بها، وهو ما قد يكون مؤشراً لعملية استيلاء جديدة على الأراضي اللبنانية، ومعها ضم مزارع شبعا المحتلة، لذا فإن من المفترض وفي غمرة الضغوط الدولية على لبنان، لا سيما الأميركية منها، ومحاولات التقليل من شأن الصراع الحدودي البري بين لبنان وكيان الاحتلال، ومطالبة لبنان بالخضوع والتنازل، ليس أمام اللبنانيين سوى التمسُّك بالأرض اللبنانية والدفاع عنها بشتى السُبل والوسائل التي تكفلها المواثيق والشرائع الدولية بالإضافة إلى البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية المتعاقبة.  

| تابعوا آخر أخبار "Lebanon On" عبر Google News اضغط هنا

| لمتابعة آخر الأخبار والتطورات اشتركوا بقناتنا عبر واتساب اضغط هنا