عزت ابو علي – LebanonOn
لم يكن الطباخ سبيريدون بوتين الذي كان الطاهي الشخصي لفلاديمير لينين وجوزيف ستالين والذي برع على مدى عقود من الزمن في إعداد أشهى الأطباق في مطابخ الكرملين للزعماء في الاتحاد السوفياتي، يعلم أن حفيده رئيس روسيا الحالي فلاديمير بوتين سيصبح يوماً ما سيد الكرملين الذي برع بطبخ السياسات الكبرى وأعاد روسيا بقوة إلى المسرح الدولي.
منذ وصوله إلى السلطة في شهر أيار بداية الألفية الحالية وضع بوتين نصب عينيه إعادة أمجاد روسيا الضائعة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ومرورها قبل وصوله لسدة الحكم بعشرية سوداء بدأت مع تولي بوريس يلسن رئاسة الاتحاد الروسي في العام 1991 حتى استحواذ بوتين عليها في أيار من العام 2000.
أدرك بوتين جيداً أن تخليص بلاده من الفقر وضعف الاقتصاد مقدمة لعودتها للعالمية ففي أول 8 أعوام من حكمه لروسيا أعاد بوتين فرض بلاده قوة اقتصادية بين كبار العالم، ثم انطلق لتعزيز جيشه الغني عن التعريف، بالتوازي مع نسج التحالفات مع الدول من شرق الأرض حتى غربها، كل ذلك جعل من روسيا قوة عالمية، ليصحو الدب الروسي من سباته، ويُربك الولايات المتحدة الأميركية.
يقول الباحث في مركز الدراسات الانتروستراتيجية العميد الركن المتقاعد نضال زهوي لـ LebanonOn إنه ومنذ حرب أوكرانيا وتزعزع ثقة موسكو بالغرب بدأت روسيا بصناعة بعض الأحداث للتأثير على المصالح الغربية.
ففي الشرق الأوسط وبحسب زهوي أهدت الشركات الروسية التي تحظى بغطاء من الكرملين حركة حماس شيفرات مكنتها من صناعة طوفان الأقصى وضرب العدو الإسرائيلي في مقتل، كما نجحت روسيا بنصب فخ للأميركي في اليمن عبر المشهد المشتعل في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
وفي شرق قارة آسيا شجع الدب الروسي التنين الصيني على دخول تايوان وعدم الإصغاء لتهديدات أميركا، وباتت واشنطن أمام مخاوف جدية من تحقق ذلك.
اليد الروسية وصلت إلى أفريقيا والتي تعمل مع الدول المناوئة للولايات المتحدة حيث تقف روسيا إلى جانب مالي ضد نيجيريا مع إثارة المحفزات، وتقدم موسكو الدعم الأمني للدول الأفريقية في مناطق الانقلابات ضد باريس حيث فشلت محاولة انقلاب في بوركينافاسو لإعادة حلفاء فرنسا إلى حكمها.
وفي أميركا اللاتينية التي تعتبر الحديقة الخلفية للولايات المتحدة تدعم روسيا فنزويلا وتقدِّم لها كل المحفزات ضد غيانا وهو ما يقلق واشنطن.
ويلفت زهوي إلى أن الروسي يحاول من خلال صناعة هذه الأحداث خلط الأوراق الدولية وإثبات بأنه اللاعب الأكبر دولياً وباستطاعته الوقوف بوجه الولايات المتحدة الأميركية.
ويربط زهوي نجاح المخططات الروسية بسير الأحداث الجارية والمرتقبة الحصول منها، خاصة وأن الأميركي كان قد حقق انتصارات كبيرة في المنطقة وقفز فوق القضية الفلسطينية وأجهز على الصراع العربي - الصهيوني باتفاقيات التطبيع، كما أنه حدَّد عدو المنطقة وأقنع الجميع بأنها إيران، كما أن واشنطن أتمَّت الحزام الذي يحاصر دول الشمال القارية من أوروبا إلى البلقان ووسط آسيا، وقامت بتفتيت المجتمع العراقي واللبناني، وانتشرت عسكرياً في العراق وسوريا فضلاً عن انتشارها السابق في الخليج، هذا بالتوازي مع تمرير مشاريعها في سوريا لقطع "الكوريدور" بين طهران وبيروت.
وإلى المحيط الهادىء تعزز الولايات المتحدة من وضعيتها فيه ضد الصين، وتحرض تايوان للانفصال الكلي عن الصين، وكل ذلك تقوم به واشنطن لإرساء سياسة الهيمنة تحقيقاً لمصالحها.
مصالحٌ أيضاً اصطدمت بعقبة الطموحات الصينية لإنجاح مشروع الحزام والطريق، لذا عملت بكين على إتمام مصالحة بين الرياض وطهران، فضلاً عن الاستثمارات الضخمة في العراق، واستغلال الانسحاب الأميركي من أفغانستان حيث أطلقت الصين أستثمارات ضخمة في كابول ووضعت فيها إمكانيات كبيرة، ويُضاف إلى كل ذلك توسيع الصين للتجارة بالعملات المحلية متجاوزة الدولار الأميركي عبر البريكس.
وتُطِل بحسب زهوي عاصمة أخرى مناهضة لواشنطن برأسها نحو الساحة الدولية هي طهران، حيث تسعى إيران إلى امتلاك أسلحة كاسرة للتوازن، والعمل على مفاقمة قدرات محور المقاومة ضد إسرائيل، فضلاً عن النجاح بتجاوز العقوبات بالانفتاح والتوجه شرقاً والدخول في عدة منظمات آسيوية مهمة، وبذلك امتلكت إيران حيزاً أساسياً في تحالف الأوراسية الجديدة.
وَيَخلُص زهوي إلى أنه وبدراسة الموقف استناداً إلى ما سبق ومع إسقاط الوضع الدولي الذي سبق الحربين العالميتين والأزمة الاقتصادية التي تعصف بأميركا وحلفائها، وسباق التسلح والسعي لكسر التوازن واستخدام الذكاء الاصطناعي في المجهود الحربي، وتشكيل التحالفات الجديدة المناهضة للناتو، وبدء الاحتكاك المباشر في البحر الأحمر، تُشير كل هذه المعطيات إلى أن العالم دخل الحرب العالمية الثالثة أو بات على مشارفها.