عزت ابو علي - LebanonOn
سعت إيران منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى إلى نفي أي دور لها في هجوم السابع من تشرين الأول أكتوبر على مستوطنات غلاف قطاع غزة، دون أن تغفل عن التحذير من أن مواصلة العدوان على القطاع سيؤدي إلى تمدّد الحرب في كل أرجاء منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من هذه المساعي الإيرانية سارع حلفاؤها في المنطقة إلى الدخول على خط المواجهة بشكل مباشر، ولكن دون أن تتناقض الهجمات مع رغبة طهران بتجنب الانخراط في حرب مفتوحة، ولا تبدو هجمات الحلفاء لغاية اليوم إلَّا وسيلة ضغط على العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية لوقف العدوان على غزة، ففي جنوب لبنان لا يزال حزب الله حذراً إلى حد كبير من الانخراط بحرب واسعة مع كيان الاحتلال، ويلتزم بقواعد الاشتباك رغم التصعيد الإسرائيلي بشكل لا يؤدي إلى خروج الأمور من عقالها، كما أن الهجمات الذي يشنها مسلحون عراقيون ضد المصالح الأميركية، كانت قائمة أصلاً منذ ما قبل الحرب، وعلى الرغم من تزايد وتيرتها بشكل كبير بعد العدوان على غزة، لكنّها لم تُؤَدِّ لغاية الآن إلى ردِّ فعلٍ أميركي كبير، حتى هجمات الحوثيين في البحر الأحمر لم تخرج عن السيطرة بعد، فمرور السفن التجارية مضمون شريطة عدم توجهها إلى سواحل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما يهم سادة البيت الأبيض ضمان مرور ناقلات النفط وهو ما يحصل، وعلى الرغم من تلقي جماعة الحوثي لضربة أميركية – بريطانية مشتركة، إلا أن إجماع طهران وواشنطن على هدف تجنب توسيع رقعة الحرب لا يزال قائماً، ومخاطر اندلاع حرب إقليمية انطلاقاً من باب المندب تبقى احتمالاتها منخفضة كثيراً، فالحوثي يفتقر إلى الرغبة أو القدرة أو كلتيهما معاً على التسبب بحرب في منطقة حيوية للاقتصادين الإقليمي والعالمي على حد سواء.
ومنذ بداية العدوان على غزة لم تزد إيران في مواقفها عن السابق، فهي اكتفت بإدانة العدوان دون أن ترد عليه عسكرياً بشكل مباشر كما كانت تتوعد منذ عقود طويلة، لكن الهجوم الذي أدى إلى مقتل وجرح المئات من مواطنيها خلال إحياء ذكرى قاسم سليماني القائد السابق في الحرس الثوري في مدينة كرمان الواقعة شرقي البلاد، وضعها في موقف لا تُحسَد عليه لجهة ضرورة الرد حفظاً لماء وجهها.
اختارت إيران النقطة الأضعف لردها والتي انتُقيت بعناية تامة بشكل لا تُلحق بها تداعيات غير مستعدة لتحملها، فهي تعلم عواقب استهداف كيان الاحتلال أو حتى القواعد الأميركية في المنطقة، لأنها قرأت جيداً رسائل الولايات المتحدة التي سارعت لإرسال أساطيلها إلى الشرق الأوسط منذ بداية العدوان على غزة، وبالطبع هذه الأساطيل لم تحضر للتنزه في المياه الدافئة على حدِّ وصف خبراء، بل للقول لإيران "اللعب بالنار ممنوع...وإلَّا".
لذا كانت اربيل عاصمة إقليم كردستان العراق مقصداً لصواريخ طهران، التي سارعت لضخِّ الأخبار عن أن قصف اربيل بصواريخ باليستية ذات قدرات تفجيرية هائلة استهدفت مقار تجسس تابعة لإسرائيل لعبت دوراً في هجوم كرمان، لتقول لشعبها "انظر لقد ثَأَرنَا لك".
رواية إيران لم تمر بسلاسة كما مرت صواريخها نحو اربيل باتجاه العراق، حيث توالت تداعيات الهجوم عليها، استدعى العراق سفيره لدى إيران للتشاور، فيما كَذَّبَ مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي من اربيل ادعاءات طهران باستهداف مقر للموساد ووصف الأمر بلا أساس له من الصحة، فهو لم يقتل إلا مدنيين ولم يُدمِّر إلا منازل للآمنين.
لم يقف الأمر عند هذا الحد فالحكومة العراقية التي تُعتَبَر حليفة لإيران أدانت الهجوم ووضعته في خانة "العدوان" على البلاد، وأعلنت أنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية ضد هذا السلوك الذي تعتبره انتهاكاً لسيادة العراق وأمن شعبه، بما يشمل تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي.
ردود الفعل العراقية بالطبع شكَّلت إرباكاً لإيران، فهي على الرغم من استهدافها سابقاً لأراضي كردستان العراق لم تشهد تصعيداً عراقياً كما يحصل الآن، وتحدث مصدر كردي لـ LebanonOn عن غضب كبير نتيجة الممارسات الإيرانية ونفى بشكل قاطع تواجد الموساد في أراضي إقليم كردستان حيث لم يُقتل إسرائيلي واحد منذ أن بدأت إيران باستهداف الإقليم، بل، كل من قٌتلوا جراء الهجمات هم من أبناء الإقليم.
ولم يستبعد المصدر إبلاغ طهران لواشنطن بالعملية، وأشار إلى أن قدرات البشمركة دفاعية فقط وبالتالي فإن الرد على إيران بشكل عسكري غير ممكن، فالقوات الكردية لا تمتلك طائرات أو دفاعات جوية ولا حتى صواريخ باليستية، وأكد أن أمراً كهذا مرهون بقرار الحكومة المركزية في بغداد.
ورأى المصدر أن استهداف اربيل يدل على حرجٍ إيراني كبير بسبب حادثة كرمان، فإيران تدرك جيداً وبحسب المصدر من فَعَلَ ذلك لكنها تعجز عن توجيه ضربة له، ولذلك قامت باستهداف عاصمة إقليم كردستان حفظاً لماء وجهها.
في المحصلة، تُشير كل الدلائل إلى أن استهداف اربيل لن يدفع باتجاه حرب إقليمية موسَّعة، الولايات المتحدة الأميركية غير متحمسة لذلك، وإيران تُدرٍك أن النار ستلتهمها في حال أقدمت على ذلك، والدليل على صحة ذلك غير بعيد زمنياً وجاء على لسان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي كشف عن أن إيران قامت باستئذانه حفظاً لماء وجهها بعد قتله للجنرال سليماني بالرد وأبلغته أنها ستقوم بضرب 18 صاروخاً على محيط قاعدة أميركية في العراق وهذا ما حصل ولم يُصب أي جندي أميركي، وأوضح أنه لم يكن منزعجاً بسبب علمه بنوايا إيران!.