أطول حروب إسرائيل وأعقدها: مئة يوم على طوفان الأقصى...الحسم العسكري في غزة خيار مستبعد ونتائج لصالح محور المقاومة

خاص ON | عزت ابو علي | Sunday, January 14, 2024 10:46:00 AM


عزت ابو علي – LebanonOn

يحفل الصراع العربي – الإسرائيلي بأحداث متلاحقة منذ أن تأسَّس كيان الاحتلال في العام 1948 على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها العصابات الصهيونية وهجَّرت أهلها لِيَحل محلهم مئات الآلاف من المهاجرين اليهود الذين أتت بهم الوكالة اليهودية إلى أرض فلسطين.

لكن عملية طوفان الأقصى التي اندلعت في السابع من تشرين الأول الماضي شكَّلت تحولاً جذرياً في هذا الصراع الممتد الذي دخل عامه الـ 76.

فبجردة تاريخية خاضت إسرائيل عدداً من الحروب والانتفاضات، أبرزها حرب 1948، العدوان الثلاثي عام 1956، النكسة أو حرب حزيران أو حرب الأيام الستة عام 1967، حرب الاستنزاف عام 1967، حرب أكتوبر عام 1973،  حرب جنوب لبنان 1978، اجتياح لبنان عام 1982، الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو انتفاضة الحجارة عام 1987، الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو انتفاضة الأقصى التي اندلعت في أيلول 2000، حرب تموز على لبنان عام 2006.

ومنذ 15 عاماً، شنت إسرائيل 3 حروب على قطاع غزة أولها بدأ في كانون الأول 2008 واستمر إلى 18 من كانون الثاني 2009، أما الحرب الثانية على غزة فكانت في العام 2014 واستمرت لمدة 50 يوم تقريباً، فيما شهد العام 2021 الحرب الثالثة وقد استمرت 11 يوماً.

أما في 7 تشرين الأول 2023، فقد فاجأت حركة حماس إسرائيل والعالم بعملية طوفان الأقصى، حيث هاجم مقاتلوها مستوطنات غلاف غزة والمواقع العسكرية الإسرائيلية.

وقد شنت القوات الإسرائيلية في المقابل عملية أطلقت عليها اسم السيوف الحديدية، منذ 100 يوم  تخللها هدنة استمرت لـ 7 أيام، توقف فيها إطلاق النار وجرى تبادل للأسرى، بين فصائل غزة وتل أبيب.

مميزات طوفان الأقصى

لم يعتد العرب في تاريخ صراعهم مع العدو الإسرائيلي على الهجوم فهم في جميع حروبهم وقفوا في موقف المدافع فقط، باستثناء عبور الجيش المصري مانع بارليف العسكري في العام 1973، لكن وبعد 50 عاماً شاهد العالم بأسره انهيار أسطورة الجيش الذي لا يقهر على أيدي بضعة آلاف من المقاتلين عبروا نحو الأراضي المحتلة، بكل حرفية.

في البداية عبروا السياج الأمني وعبر التكنولوجيا عطلوا جميع وسائل المراقبة الإسرائيلية ومن ثم دخلوا إلى المراكز العسكرية الحساسة جداً واستحصلوا منها على متعلقات تخص أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وفي طريق عودتهم أخذوا مئات الرهائن من العسكريين والمستوطنين إلى القطاع تمهيداً للقيام بعملية أطلقوا عليها اسم "تبييض السجون".

كانت فصائل غزة وعلى رأسها حماس مستعدة لردود الفعل الإسرائيلية بشكل ممتاز، استوعبوا الضربة الإسرائيلية الأولى التي أتت مُكثَّفة وردوا عليها بقصف غالبية الأراضي المحتلة بصواريخ من عيارات مختلفة أجبرت الكيان على الدخول في حالة من الضياع على جميع المستويات.

عوَّلت حكومة الاحتلال بزعامة بنيامين نتنياهو على القوات العسكرية فاستدعت للغاية مئات الآلاف من جنود وضباط الاحتياط لتضيفهم إلى قواتها العاملة، لتُطلق بهم عملية برية واسعة.

لم يُفلح قصف الطائرات والمدفعية بإضعاف عزيمة الغزيين على الرغم من سقوط عشرات الآلاف بين شهيد وجريح ودمار هائل في البنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة.

كان الدخول البري بحسب ما رأت حكومة الاحتلال حلاً لكنه في الحقيقة شكَّل مأزقاً كبيراً على الرغم من الدعم الغربي اللامحدود، لكن ذلك لم يمنح إسرائيل مخرجاً في ظل ثبات المقاومة واستنزافها للعدو على أعلى المستويات وإلحاق الأضرار الجسيمة به سواء على صعيد الأرواح أو المعدات.

النتائج

على المستوى الاستراتيجي أدت عملية طوفان الأقصى إلى انهيار منظومة العقيدة القتالية الإسرائيلية التي تشكَّلت منذ نشأة كيان الاحتلال والتي تألفت من مبادىء رئيسية تتمثَّل بالاعتماد على الهجوم، النصر العسكري الحاسم، ضرورة تقليص الخسائر البشرية، توجيه الضربة الأولى، الضربة الوقائية أو الاستباقية، الحرب الخاطفة ونقل المعركة إلى أرض "العدو" لكن هذه المبادىء سقطت واحداً تلو الآخر فمنذ برزو حركات المقاومة لم تستطع إسرائيل تحقيق أي نصر في أية معركة مع قوات غير متماثلة (غير نظامية) في وقت قصير أو طويل بسبب تعاظم قدرات هذه الحركات على صعيد الإعداد (سلاح مناسب يتعامل مع كل معدات العدو ومقاتل مُدرَّب جيداً ومتشرَّب للعقيدة القتالية التي تنص على إما النصر أو الاستشهاد).

على المستوى العملاني أظهرت عملية طوفان الأقصى فشل الإسرائيلي بالقيام بردة فعل سريعة بالهجوم المعاكس على غزة، بالإضافة إلى تدمير الدفاعات الأمامية التكنولوجية للعدو الإسرائيلي على الحدود الشمالية مع لبنان، وإرباك القوات الأميركية في مناطق انتشارها على الحدود العراقية – السورية عبر استهداف قواعدها من المقاومة العراقية وإشغال بَحرِيَّتِهَا باعتراض الصواريخ والمسيرات اليمنية وفرض اليمن لسيطرة بحرية إلى حد كبير على مضيق باب المندب الاستراتيجي.

ويضاف إلى ذلك نجاح منظومة القيادة والسيطرة في ساحات تواجد المقاومة والتنسيق العالي واستخدام بعض الأسلحة النوعية حيث لم تختبر إسرائيل وحلفاؤها أية حرب على جبهات متعددة في الشرق الأوسط في السابق.

لكن الأهم من كل ذلك هو توزع مراكز الثقل لدى محور المقاومة المناوىء لإسرائيل وحلفائها، فكل ساحة تتميز بشيء ما واتحاد هذه المميزات أوصل إلى تحقيق الأهداف، فإيران التي تعد رأس الحربة تعتمد نظاماً إسلامياً يحقق تماسكاً للجبهة الداخلية دون اختراقات، واليمن يمتلك حدوداً شاطئية استراتيجية، فيما العراق يُعَدُّ بيئة حاضنة تتحرك بالفتوى الشرعية، وتعتبر العقيدة مركز الثقل العملاني للمقاومة في لبنان، أما الأنفاق وصلابة المقاتل وإيمانه واحتضان الغزيين لهم عوامل شكَّلت الثقل العملاني لمقاومة غزة.

على المستوى الشعبي أعادت عملية طوفان الأقصى توجيه الأنظار نحو القضية الفلسطينية بعد أن كان التطبيع يتصدر المشهد، وبدأ الحديث عن حل الدولتين يخرج من عواصم القرار بعد أن كان مجرد كلام لا أكثر، وأعادت طوفان الأقصى الزخم للشارع العربي الذي بات يشكل حجر عثرة أمام تطبيع بعض الأنظمة مع العدو الإسرائيلي، لكن الأهم من كل ذلك هو تغيُّر الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية بعد عقود من تغييبه العقلي، فيما شكَّل وقوف كيان الاحتلال في لاهاي للمرة الأولى فضحاً لجرائمه ضد الإنسانية على مستوى العالم.

في المحصِّلة وبالإضافة إلى العوامل آنفة الذكر، فإن تصدع الجبهة الداخلية الإسرائيلية وصراع الجنرالات والسياسيين واقتناع الغرب وجزء من الشارع الإسرائيلي بأن حكومات اليمين المتعنتة لن تجلب إلا الزوال للكيان المصطنع فضلاً عن فشل الجيش في تحقيق أهدافه توصل إلى حقيقة واحدة مفادها أن خيار الحسم العسكري للوضع في غزة يُعَدُّ أمراً مستحيلاً مهما طال أمد المعركة.            

| تابعوا آخر أخبار "Lebanon On" عبر Google News اضغط هنا

| لمتابعة آخر الأخبار والتطورات اشتركوا بقناتنا عبر واتساب اضغط هنا