عزت ابو علي – LebanonOn
لا تُعتبر الخلافات السعودية – التركية بالأمر المستجد في تاريخ علاقات البلدين، فهي مرَّت بتجاذبات وصلت إلى حد القطيعة لمرات عدة.
عوامل عدَّة تدخل تتسبَّب بهذا الصراع الذي لا يكاد ينتهي وإلَّا ويعود ليطفو على السطح مجدداً.
في أساسه يُعتبر الصراع بين تركيا والسعودية ديني بامتياز، فتركيا لا تخفي سراً بأنها الداعم الأوَّل للأخوان المسلمين في العالم والتي تصنفهم السعودية تنظيماً إرهابياً، هذا الخطر التي استشعرت به السعودية جاء إثر وصول الأخوان المسلمين لحكم مصر وليبيا وتونس وقيادة الحكومة في المغرب والدعم التركي اللامحدود لقطر، لذا عملت السعودية بشتى السُبل على إسقاط نظام الرئيس المصري الراحل محمد مرسي الذي ينتمي إلى الأخوان المسلمين والذي وصل إلى السلطة عقب الإطاحة بنظام الرئيس المصري الاسبق الراحل محمد حسني مبارك.
أمرٌ آخر وهو رغبة المملكة العربية السعودية بقيادة العالم الإسلامي بشكل منفرد، فالجمهورية الإسلامية في إيران لن تستطيع ذلك نتيجة العوامل المذهبية (أكثر من 90 % من مسلمي العالم هم من السُنَّة فيما الأقلية تتبع للمذهب الشيعي) ولم تكن هناك دولة تنادي بالإسلام قبل وصول حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إلى السلطة مع بداية الألفية الحالية، فعقب وصول أردوغان للسلطة أطلق خطاباته التي تحمل صبغة إسلامية وبات الرجل يشكِّل حالة في معظم الدولة الإسلامية وأملاً لشبابها مع تذكيره الدائم بمزايا السلطنة العثمانية (آخر خلافة إسلامية اجتمع المسلمون في العالم تحت رايتها قبل تفرقهم إلى دول عقب انهيارها على إثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى)، كل هذه الأسباب جعلت من تركيا منافساً حقيقياً للملكة العربية السعودية على منصب "قائد العالم الإسلامي" الذي يجتمع تحته حوالي الملياري شخص في حوالي 57 دولة.
قبل أعوام قليلة عالج أردوغان خلافاته مع العديد من الدول وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وعادت المياه إلى مجاريها السابقة بين الرياض وأنقرة.
لكن ذلك لم يدم طويلاً فإلغاء مباراة كرة القدم ضمن كأس السوبر التركي بين عملاقيها غلاطة سراي وفنربهجة في تركيا والذي كان من المقرر أن تجري في العاصمة السعودية الرياض فتحت أبواب الصراع من جديد.
علي كوتش رجل أعمال تركي ويرأس نادي فنربهجة التركي ويُعرف بمعاداته للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هو صاحب فكرة إقامة مباراة السوبر التركي في الرياض وهو من تسبب بتأجيلها، ووجهت للرجل أصابع الاتهام بصفته المتسبب في هذه الأزمة التي باتت حديث منصات التواصل في البلدين معاً.
بداية الجدل كانت عبر منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، عصر يوم الجمعة الماضي، بأن المباراة قد تُلغى بسبب عدم سماح السعودية بترديد النشيد الوطني التركي ورفع صور مصطفى كمال أتاتورك، قبل وخلال المنافسة الرياضية، إلا أن بيانات رسمية تركية نفت صحة هذه المزاعم.
لاحقاً، اتضح أن سبب الخلاف هو رغبة الفريقين برفع لافتات لأقوال أتاتورك في المملكة، وهو ما رفضته السلطات السعودية لكونه لم يرد في البروتوكول المبرم سابقاً بين الطرفين، الأمر الذي دفع الفريقين لرفض اللعب قبل عودتهما إلى تركيا فجر السبت.
يقول الصحافي الرياضي التركي فاتح الطايلي، أن الفكرة طرحت لأول مرة على الاتحاد التركي لكرة القدم من قبل علي كوتش، انطلاقاً من أن هكذا خطوة ستدرّ الدخل المادي الكبير على الناديين، ولفت إلى أن كوتش واصل قبل ساعات من انطلاق المباراة مطالبه بإضافة بنود جديدة على البروتوكول المبرم سابقاً، ومن بينها رفض ترديد النشيد الوطني السعودي قبل انطلاق المنافسة، في خطوة أثارت استغراب الجانب السعودي الذي رفض هذا الطلب، ولاحقاً، بدأت مباحثات بين غلاطة سراي وفنربهجة ممثَلين بالاتحاد التركي، وبين السلطات السعودية المنظّمة للمباراة من جهة أخرى، بهدف التوصل إلى حل يحول دون تأجيل أو إلغاء المباراة، لكن كوتش واصل خلال المباحثات تصعيد الموقف وطرح مطالب جديدة، فيما واجه رفض السلطات السعودية لرفع لافتات تحمل عبارات أتاتورك بالقول "لا وجود لتركيا بدون أتاتورك، ولا مباراة بدون لافتات أتاتورك" قبل أن يغادر غرفة المباحثات غاضباً.
الصراع في تركيا تأجَّج أكثر مع دخول شخصيات معارضة لأردوغان على الخط والترويج لشائعات من قبيل رفض السلطات السعودية ترديد نشيد الاستقلال ورفع الأعلام التركية وصور أتاتورك، في خطوة ستظهر أردوغان شعبياً بأنه المتخاذل أمام السعودية، خاصة وأن كوتش المعروف بمواقفه المناهضة للحكومة وللرئيس أردوغان، قد أبدى دعمه علناً لرئيس بلدية اسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري على مسافة زمنية قليلة من استحقاق الانتخابات المحلية في تركيا.
ليس هذا فحسب، بل، عمل العديد من رؤساء بلديات خارج عباءة حزب العدالة والتنمية الحاكم على رفع صور لـ عمر فخر الدين مسعود باشا المعروف بـ عمر فخري في شوارع البلاد وعلى مقربة من البعثات الديبلوماسية السعودية، وفخري باشا هو ضابط عثماني كان آخر حاكم للمدينة المنورة حيث دافع عنها قبل سقوطها بوجه القوات العربية وحلفائها من البريطانيين إبان الحرب العالمية الأولى، وهذا الرجل يُعدُّ مكروهاً في السعودية وسبق قبل مدة قصيرة أن أثار جدلاً بعد اتهامه من قبل قادة رأي سعوديين بالسرقة والتسلط عندما تولى حكم المدينة المنورة، الأمر الذي أثار غضب الأتراك الذين يعتبرونه غازياً وبطلاً تاريخياً من أبطالهم.
الخلاف السعودي – التركي الجديد شكَّل أولوية لدى أردوغان فهو لا يريد خسارة علاقاته الطيبة اليوم مع السعودية فقال أردوغان خلال تجمع في مدينة اسطنبول "أعرب عن حزني وأسفي إزاء ما حصل حول مباراة السوبر التركي في الرياض، وما تقوم به المعارضة منذ مساء أمس ما هي سوى سياسة استغلال، ولن نسمح بخروج الموضوع أي تأجيل مباراة السوبر التركي عن مساره وتحوله إلى وسيلة للتحريض والاستفزاز".
كلام أردوغان يدلُّ على شيء واحد وهو أن المعارضة التركية التي خسرت قبل أشهر انتخابات الرئاسة والبرلمان أمامه، تسعى اليوم بحسب المؤيدين للعدالة والتنمية إلى تصوير أردوغان شعبياً وكأنه متخاذل عن حماية إرث تركيا "العلم والنشيد وأتاتورك" وهذا حتماً سيؤدي إلى غضب شعبي عليه عشية الانتخابات المحلية، وتحاول المعارضة وضع أردوغان أمام خياريين: إمَّا التصعيد ضد السعودية وبالتالي خسارة استثمارات وعوائد سياحية ستسعفه في إطار حربه على التضخم، وإمَّا إقامة هذه المباراة وسط ضغوط إعلامية من معارضيه بأنه أضرَّ بمصالح تركيا وبالتالي خسارته للانتخابات المحلية الذي يسعى أردوغان من خلالها لاستعادة بلديتي اسطنبول وأنقرة من يد المعارضة في سعيه للفوز بالانتخابات المحلية المقبلة بعد أن نجح بالحصول على الأغلبية البرلمانية ومقعد الرئاسة خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت قبل أشهرٍ عِدَّة.