عزت ابو علي – LebanonOn
مع نهاية العام 2022 تمنى اللبنانيون أن تحمل سنة 2023 حلاً لأزماتهم المتلاحقة التي لا نهاية لها على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية.
لكن العام 2023 لم يحمل لهم الجديد، ليس هذا فحسب، بل، تعمَّقت أزماتهم أكثر فأكثر وسط انسداد أفق الحلول وغياب أية خروقات ولو بسيطة في الجدران الفولاذية لأزماتهم.
اليوم وعشية نهاية العام 2023 يدخل العام 2024 مُثقلاً بهموم ومخاوف يعيشها اللبنانيون الذين وصلوا حتماً إلى مرحلة الهاجس الوجودي.
ففي السابع من شهر تشرين الأول الماضي اندلعت معركة طوفان الأقصى بين فصائل المقاومة في غزة من جهة والعدو الإسرائيلي من جهة أخرى، وبعد يوم واحد وتحديداً في الثامن من الشهر نفسه وجد اللبنانيون أنفسهم ينخرطون في هذه المعركة سواء رضوا بذلك أم عارضوا.
ومن يومها تصاعدت أعمال العنف على الحدود الجنوبية بين المقاومة اللبنانية من جهة والعدو الإسرائيلي من جهة أُخرى، وسيد الموقف هو التصعيد، فالعدو المأزوم في غزة يزيد الضغط على لبنان شيئاً فشيئاً، خلت القرى الحدودية من سكانها بشكل تام ومن يعد إليها هدفه تفقد ممتلكاته ثم العودة إلى منطقة أكثر أمناً على وجه السرعة، لكن ذلك لا يعني أن لا ضحايا فالمئات استشهدوا وجُرِحوا من المدنيين والمقاومين وحتى عناصر الجيش اللبناني على حدٍ سواء، وعداد الصراع يسجل إحصاءاته يومياً سواء الخسائر البشرية أو المادية فالكل بات يعلم أن لا نهاية لصراع الحدود إلَّا بتسوية شاملة في المنطقة وعلى رأسها إنهاء حرب غزة.
قبل التصعيد على الحدود عاش اللبنانيون أيضاً حدثاً أمنياً أعاد إلى أذهانهم ذكرى حربهم الأهلية المشؤومة، حيث شَكَّل الصراع بين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة مصدر رعب لهم خاصة مع طول أمد المعارك التي امتدت على مرحلتين وكثرة الأحاديث عن توسُّع هذه المعارك نحو مخيمات أخرى خاصة وأن هناك 13 مخيماً للاجئين الفلسطينيين في جميع المناطق اللبنانية من البقاع شرقاً حتى بيروت غرباً ومن طرابلس شمالاً حتى صور جنوباً، ولم تتوقف المعارك إلَّا بعد مناشدات السلطات المحلية في لبنان وتدخل الفاعلين ولكن هذا التوقف لا يعني إقفال الملف فالأسباب الجوهرية لم تُعالج بعد ولم يُحاسب من افتعلوا المعارك، مما يجعل مخيم عين الحلوة وغيرها من بؤر اللجوء الفلسطيني عُرضة للانفجار في أية لحظة وسط غياب أية آفاق لحل مشكلة السلاح المتفلت داخل المخيمات وخارجها حيث تتواجد مواقع عسكرية للفلسطينيين وتحديداً لفصيل الجبهة الشعبية – القيادة العامة في عددٍ من المناطق اللبنانية ويُعَدُّ أخطرها تلك الواقع في تلال منطقة الناعمة والمحاذي للطريق الدولي الرئيسي الرابط بين الجنوب والعاصمة بيروت وحساسيته الطائفية والمذهبية، ومطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري الوحيد في لبنان.
على الصعيد الأمني أيضاً شهد لبنان إشكالات مسلحة عدة متنقلة بين أبنائه من جهة والنازحين السوريين من جهة أُخرى، أسفرت عن جرحى من الطرفين ولم تتوقف إلا بتدخل الأجهزة الأمنية، ومن المثير للريبة أن توقف هذه الإشكالات جاء بشكل مُفاجىء على عكس أسباب بدايتها، فلبنان بات مُثقلاً بحوالي 3 ملايين سوري شكلوا ضغطاً هائلاً على الاقتصاد المتهاوي وعلى فرص العمل شبه المعدومة أصلاً ومما سَعَّرَ الخلافات الاهتمام الدولي ومن العديد من الجمعيات المحلية بالسوريين الذين يعيشون أفضل من اللبنانيين في بلدهم بشكل متفاوت جداً، فالسوري اليوم يحظى بالتغطية الصحية والمساعدات الغذائية وفرص العمل والتعليم حتى استحصالهم على وسائل التدفئة مع حلول الشتاء، وكل هذه الأمور باتت رفاهية بالنسبة لغالبية اللبنانيين ممن باتوا تحت خط الفقر أو يُصارعوا للبقاء في محاذاته تجنباً لعبوره تحت مطرقة الظروف السيئة، وتبقى قضية النزوح ملفاً يُفتح غب الطلب رغم أهميته القصوى!.
على المستوى الاقتصادي استمرت الأزمة الخانقة خلال العام 2023 ولم يعد ارتفاع سعر صرف الدولار يُشكِّل مفاجأة بالنسبة للبنانيين ورغم الدولرة إلَّا أن الأسعار استمرت بالصعود في ظل التضخم الذي يعاني منه العالم برمته واعتماد لبنان على الاستيراد في استهلاكه في ظل غياب الإنتاج المحلي أقله للسلَّة الغذائية.
وشهد هذا العام خروج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من منصبه بعد ثلاثة عقود قضاها على رأس المؤسسة النقدية الأم في لبنان، غاب سلامة عن المشهد وبات من الماضي ولا يعلم أحد شيئاً عن الرجل الذي قاد نقد لبنان في مرحلتيه الصاعدة منها والمنهارة، وتسلَّم المنصب نائبه وسيم المنصوري الذي عرف اللبنانيون معه استقرار سعر الصرف حتى حدود الـ 90 ألف ليرة لكل دولار أميركي واحد وأوصل سعر صيرفة إلى مستوى السوق الموازي وكأن الأمر هو تسليم بأن هذا الرقم هو السعر الحقيقي لصرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية التي لم تشهد أي جديد سوى بإضافة فئة أُخرى من الـ 100 ألف ليرة أصغر من نظيرتها السابقة وكأن الحالية تُشير بحجمها الجديد الأصغر إلى تقلُّص قيمتها فهي كانت تساوي في مرحلتها الذهبية ما يقارب الـ 70 دولاراً أما اليوم فلم تعد تشكل أكثر من 1.1 دولار أميركي!.
وعلى عكس القطاع الخاص الذي بدأ بالتأقلم مع الأزمة استمر الشلل في القطاع العام وسط صراع الموظفين مع حكومتهم والمطالبة برواتب عادلة تكفيهم لتأمين سُبُلِ العيش لكن ذلك لم يحصل وما أخذوه من زيادات ليس إلا أبر مهدئات تنتهي مفاعيلها على الفور، والكل بات يعلم جيداً أن العام 2024 يدخل يداً بيد مع إضراب القطاع العام الممتد حتى تحصيل الحقوق على ما يقوله الموظفون.
سوء الأوضاع الاقتصادية خلق واقعاً جديداً عبر البحر وتحدياً لأجهزة الدولة، حيث بات عبور المراكب باتجاه الحلم الأوروبي عنواناً يومياً، القليل منها وصل إلى الهدف، أما الأكثرية فتوزعت بين إلقاء القبض عليها من قبل السلطات المختصة أو ابتلعها البحر بركابها وباتت في غياهب النسيان، التي انسحبت أيضاً على قضايا الإغاثة والبنى التحتية وغرق الطرقات شتاءً والسلامة المرورية، فالطرقات في حال يُرثى لها والحوادث المرورية حدث ولا حرج والإضاءة ليلاً غائبة كما الكهرباء عن منازل المواطنين، فيما فضح سقوط بعض الأبنية التقصير في عمليات الإغاثة وحل مشكلة الأبنية المتداعية، هذا بالإضافة إلى وضعية الطرقات التي تُعتبر فصل الشتاء عدوها الأول!!!.
وَتُعَدُّ المشاكل السياسية في لبنان أحد أهم أسباب سقوطه الاقتصادي والأمني وباتت توصف بالأزلية، فالعام 2023 لم يحمل الجديد على صعيد الشغور الرئاسي فعاش لبنان عاماً كاملاً دون رئيس له رغم دعوات الحوار الداخلية والمبادرات الخارجية فرنسية كانت أم قطرية فاستمرت الخلافات نفسها والانقسامات ذاتها، وعجز البرلمان عن إنهاء الشغور في سدة الحكم والسلطة الأولى في البلاد.
انسحب هذا الشغور على مواقع عدة في الدولة اللبنانية، اقتصادية، مالية، أمنية، عسكرية وقضائية ... دون التوصل إلى حلول تُحقق التعيينات في هذه الشواغر، السبب بات معروفاً نفس الانقسامات ونفس التعطيل والتعطيل المضاد.
خرق واحد حصل من خلال اتفاق البرلمان على إقرار قانون جنَّب البلاد المزيد من الشغور في سدة مؤسساته الأمنية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان، والإيجابيات أيضاً تجلَّت بعدم إقرار موازنة الضرائب التي ستثقل كاهل المواطنين فيما بقي قانون الكابيتال كونترول الذي كان من المفترض أن يُقرَّ مع بداية الأزمة في العام 2019 محور أخذ ورد بين الحكومة والبرلمان الذي انتهى أيضاً من الدراسات المستفيضة التي استمرت لعقدين من الزمن لإقرار نظام التقاعد للمشمولين بتغطية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لكن العبرة تبقى في التنفيذ على قاعدة حصول ذلك عكس كل القضايا وفي مقدمتها قضية انفجار مرفأ بيروت التي باتت حبيسة أدراج الخلافات.