عزت ابو علي – LebanonOn
تُعتَبَر جمهورية مصر العربية من أكثر الدول التي تأثرت بشكل سلبي من العدوان الإسرائيلي على غزة، ومع دخول الحرب يومها الـ 82 تسابق القاهرة الزمن من أجل البحث عن حلٍ لهذا الصراع الذي يُنذِرُ بحسب مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات الاستراتيجية في القاهرة الدكتور محمد حامد في حديثه لـ LebanonOn بعواقب وخيمة على منطقة الشرق الأوسط برمتها في حال طال أمده أكثر.
فمصر وبحسب حامد وُضعت أمام تحديات عدَّة، فهي مجاورة لكيان الاحتلال الذي أعلن أنه في حالة حرب للمرة الأولى منذ 50 عاماً أي منذ اندلاع حرب أكتوبر في العام 1973 من القرن الماضي، كما أنَّ القيادة المصرية لم تغفل أمام مخطط رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لتهجير أبناء غزة إلى سيناء المصرية مع ما يشكله الأمر من تحديات أمنية واقتصادية على أمن مصر القومي بالإضافة إلى الأحداث في البحر الأحمر والتي أثَّرت بشكل كبير على قناة السويس وبالتالي على عوائد بالعملة الصعبة تجنيها مصر التي تعاني أصلاً من انخفاض السيولة الدولارية.
إزاء ذلك قال حامد إن كل ذلك دفع القاهرة لطرح العديد من أوراق الحل بالتعاون مع الدوحة وواشنطن، وهي تجري لأجل ذلك محادثات مكثفة مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي في محاولة للتوصل لوقف دائم لإطلاق النار.
كلام حامد يأتي بالتزامن مع ما كشفه مصدر أمني مصري رفيع المستوى عن أن بلاده تقترح وقفاً لإطلاق النار على عدة مراحل، على أن تكون المرحلة الأولى مؤقتة لمدة أسبوع أو أسبوعين، مع إمكانية تجديد وقف إطلاق النار المؤقت.
تقترح القاهرة خلال أول عشرة أيام من هدنة إنسانية أن تُطلق حماس سراح كل النساء والأطفال والمسنين المحتجزين لديها، في مقابل إطلاق إسرائيل سراح عدد متفق عليه من السجناء الفلسطينيين من الفئات نفسها وتوقف كل العمليات القتالية وتسحب الدبابات من القطاع وتسمح بإيصال المساعدات الغذائية والطبية والوقود وغاز الطهي، مع عودة السكان إلى شمال قطاع غزة.
بعد ذلك تنتقل الأطراق إلى المرحلة الثانية التي تتضمن إطلاق حماس سراح كل المجندات الإسرائيليات المحتجزات لديها، وفي المقابل تطلق إسرائيل سراح مجموعة أخرى من الفلسطينيين من سجونها وبأعداد كبيرة يُتفَقُ عليها بين الأطراف.
وتشمل المرحلة الثانية تبادل الجانبين للجثث المحتجزة لكل طرف لدى الآخر منذ السابع من تشرين الأول الماضي تاريخ انطلاق عملية طوفان الأقصى.
وإلى المرحلة الثالثة والأخيرة التي ستستمر لمدة شهر، ستُطلق حماس سراح كل المحتجزين لديها، في مقابل عدد متفق عليه من السجناء الفلسطينيين، وتغادر إسرائيل قطاع غزة بشكل كامل وسيوقف الجانبان كل الأنشطة القتالية.
على أن تقوم مصر وقطر بدعم محادثات لتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية تتولى إدارة غزة والضفة الغربية وتُشرِف على توزيع مساعدات الإغاثة وإعادة إعمار غزة وإجراء انتخابات تشريعية.
المقترح المصري لن يمر بسهولة ودونه عقبات، حيث تُصِرُّ الفصائل في غزة وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي بإطلاق كل الأسرى الفلسطينيين من السجون مقابل الإفراج عن الرهائن من المدنيين والعسكريين في غزة، كما تُشدِّد الفصائل على ضرورة وقف إطلاق النار بشكل كامل ودائم وهو ما تسعى لتحقيقه مصر عبر أن تُعطي الولايات المتحدة الأميركية ضمانات بشأن التزام إسرائيل بالأمر، وهو ما ترفضه تل أبيب لغاية الآن حيث تربط وقف إطلاق النار بالإفراج عن أسراها وتفكيك البنية التحتية العسكرية لفصائل المقاومة في غزة وفرض المنطقة العازلة.
في المُحصِّلة من المؤكد أن المقترح المصري لم يحِن وقته بعد بناءً على معطيات الميدان، فصائل غزة تعوِّلُ على تخبط تل أبيب أمنياً وعسكرياً من خلال خسائر جيشها وفشلها بقتل رموز وقادة المقاومة، وسياسياً من خلال الصراعات التي تجدَّدت بين نتنياهو ومعارضيه من جهة وبين نتنياهو وأعضاء حكومته من جهة أُخرى نتيجة فشل الحرب، وشعبياً من خلال الضغط الهائل الذي يفرضه الشارع الإسرائيلي (أهالي القتلى وأُسر المعتقلين والسكان المهجرين من مستوطنات الغلاف والشمال) على نتنياهو لوقف الحرب، وبالتالي ترى المقاومة أنَّ الكلمة العليا لها، وعلى المقلب الآخر يُدرك نتنياهو جيداً أن اتخاذه لأي قرار أُحادي الجانب بوقف الحرب يعني انتهاء مسيرته السياسية التي تعتبر الأطول من بين رؤساء حكومات إسرائيل وقضاء ما تبقى من حياته خلف القضبان، وهو يسعى لإطالة أمد الحرب سعياً بحسب المراقبين لتوريط الولايات المتحدة الأميركية بها من خلال عمل جنوني قد يدفع الشرق الأوسط للاشتعال برمته إنقاذاً لنفسه.