عزت ابو علي – LebanonOn
لا يأبه المواطن في كل دول العالم لحياته بعد التقاعد ولا يحمل همَّ ما تبقى له من سنين سيعيشها، فهناك نظام التقاعد الذي يؤمن له حياةً كريمة بعد بلوغه سن التقاعد.
هذا الأمر لا ينطبق على لبنان الذي لا يعترف إلا بما يُسمى تعويض نهاية الخدمة.
مجمل هذه التعويضات التي يتلقاها المضمون أي المُسجل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا تكفي، فقيمتها متدنية مقارنة بمتطلبات الحياة، الأمر الذي يدفع من بلغ سن الـ 65 إلى استثمار مبلغ التعويض في عمل يدر عليه أموالاً تجنباً لفتح فمه للهواء في خريف العمر.
لذا، كان الحل بإقرار نظام التقاعد، ولطالما رُفِعَت الأصوات سعياً لنيل هذا المطلب الذي يُعَدُّ أولوية لحفظ كرامة الإنسان.
في الخامس من آب من العام 2004 أقرَّ مجلس الوزراء قانون التقاعد للمضمونين، لكن الأمر احتاج لنحو عقدين من الزمن لإقراره في مجلس النواب الذي قام قبل أيام قليلة بالتصويت لصالح المرسوم رقم 13760 المتعلق بتعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الإجتماعية بعد إدخال تعديلات على بعض مواده، وذلك بعد كل هذا الانتظار.
إقرار هذا القانون لا يعني المباشرة بتطبيقه فوراً، حيث يحتاج القانون لسنتين لبدء تطبيقه، ولكن فور نشره في الجريدة الرسمية سيبدأ تنفيذ الإجراءات المتعلقة به، لأن هناك العديد من الأمور الأساسية التي ستتغير في الضمان الاجتماعي بدءاً من مجلس إدارة الضمان حيث سيشكل مجلس إدارة جديد ومن ثم سيكون هناك هيئة للاستثمار، ووضع الآليات والمراسيم التطبيقية والأنظمة الضرورية لانطلاق هذا النظام، كما أن هناك العديد من الأمور والتقنيات المحددة بناء على طلب رجال الأعمال وقطاع الطبابة في لبنان والذين كانوا يرغبون بإدارة واستثمار الأموال بتقنيات حديثة ومؤهلة.
الجديد في القانون أنه بات بإمكان أي لبناني يعمل في لبنان أو في الخارج بالإضافة إلى الأجراء، الانتساب اختيارياً لهذا النظام التقاعدي، فعلى سبيل المثال أي لبناني عامل في الخارج يمكنه الاشتراك في الضمان الإجتماعي في لبنان بنظام التقاعد ويمكنه القدوم في عمر الـ64 سنة إلى لبنان والاستفادة من تقديمات التقاعد في لبنان وتأمين معاش تقاعدي وضمان صحي لمدى الحياة.
من المحتمل أن تستفيد حوالي الـ 200 ألف أسرة لبنانية من هذا القانون الجديد، ووفقاً لصيغة القانون فإن انتساب الأشخاص دون عمر الـ 49 سنة إلزامي، أما من 49 سنة وما فوق يكون الانتساب اختيارياً، فالذي يختار البقاء في تعويض نهاية الخدمة يبقى أمامه كحد أقصى 15 سنة،
وهناك شروط لاستحقاق المعاش التقاعدي، فعلى سبيل المثال مضمون عمره أكثر من 50 سنة، وقرر الانتساب للنظام التقاعدي ولكن كان سبق وأن سحب تعويضه على 20 سنة ولا يوجد لديه سنوات خدمة في النظام القديم، بحيث من عمر 55 إلى عمر 64 سيكون لديه 9 سنوات خدمة، لن يكون بإستطاعته أخذ المعاش التقاعدي وبالتالي ليس باستطاعته الانتساب إلى النظام الجديد، لأن شرط الاستفادة من المعاش التقاعدي، مرهون بقضاء الموظف لـ 15 سنة ضمن النظام الجديد للحصول على معاش تقاعدي.
وبقراءة متأنية للقانون تظهر العديد من الثغرات التي تنذر ببقائه حبيس الأدراج، حيث يحتاج القانون للكثير من المراسيم التطبيقية والتي يتخطّى عددها الـ 15 مرسوماً، وأعطيت مهلة سنتين لإصدارها وكأنّ القانون لم يصدر أو صدر مع وقف التنفيذ، فضلاً عن القيمة الفعلية للتقاعد فالحد الأدنى للأجور لا يكفي اليوم ومع انهيار سعر الصرف للإيفاء بجميع متطلبات المعيشة، لذا كان من الأفضل وضع آلية لزيادة الأجور تسير بالتوازي مع معدلات التضخم لصون قيمة الراتب التقاعدي للمستفيد، لكن ورغم كل ذلك فمن الأفضل وعند إنهاء خدمات المضمون لبلوغه سن التقاعد أن يستحصل على راتب تقاعدي يضمن شيخوخته على أن يأخذ تعويضاً نهائياً لا قيمة فعلية له.
وتُظهر صيغة الاحتساب هذه أفضلية الراتب التقاعدي فعلي سبيل المثال لنفترض أن مضموناً يتقاضى 9 ملايين ليرة كحد أدنى للأجور، ويمتلك 20 عاماً كسنوات خدمة، فالقاعدة الحسابية تنص على الآتي: 9 ملايين × 20 = 180 مليون ليرة، وإذا وصل المضمون ضمن العشرين عاماً الى الحد الأقصى أي 55 بالمئة تكون المعادلة: 1.75 × 55 بالمئة على أن لا يزيد الراتب عن 80 بالمئة من الحد الأدنى للأجر يصبح راتب التقاعد 7 ملايين ليرة شهرياً لمدى الحياة، وهذا يعني أن تعويض نهاية الخدمة كان سيساوي ما سيحصل عليه المضمون في 26 شهراً فقط، وبالتالي فإن الراتب التقاعدي هو أفضل لأي مضمون.
أمام كل ما سبق تبقى العبرة في التنفيذ، وعلى أي عامل أو أجير المسارعة للطلب من ربِّ عمله تسجيله في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للاستفادة من نظام التقاعد، كما أن من واجبات الصندوق حثَّ العمال على طلب التسجيل وتفعيل جهاز التفتيش وإنزال أشد العقوبات بأرباب العمل الذين يرفضون تسجيل مستخدميهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.