عزت ابو علي - LebanonOn
يُعتبر الفساد الإداري والمالي في لبنان من أبرز القضايا المُلِحَّة التي يجب حلها، إذ شكَّل ذلك، العامل الأبرز في الانهيار المالي الذي يعيشه لبنان منذ نهاية العام 2019.
في آخر جلسة للبرلمان أقر مجلس النواب قانوناً حول صندوق التعويضات في المدارس الخاصة، ووضع ضوابط جديدة حول كيفية دفع المدارس المساهمات المالية مشترطاً حصولها على براءة ذمة مالية من وزارة التربية فيما يتعلق بالموازنات المدرسية، ونصَّ القانون أيضاً على تغذية صندوق التقاعد لمعلمي المدارس الخاصة من خلال اقتطاع 8 % من رواتب الأساتذة ومن المتعاقدين، عوضاً عن 6% بالمئة.
هنا جُنَّ جنون العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية والتربوية الخاصة التي حاولت تظهير الأمر على أنَّه من باب الظلم لها وللأساتذة، لكن الحقيقة مغايرة كلياً لهذه الادعاءات فالـ 2% وهي قيمة الزيادة التي ستقتطع من الرواتب لتغذية صندوق التقاعد للمعلمين ليست هي القضية الأساسية، بل، إن خوف المدارس الخاصة يعود بشكل رئيسي إلى شرط الحصول على براءة الذمة المالية، فمن دون الحصول عليها تستطيع وزارة التربية عدم قبول أية جداول بالطلاب من المدارس المخالفة.
في الأصل يفرض القانون استحصال المُكلف بالضريبة على براءة الذمة المالية بغية إنجاز معاملاته الرسمية، لكن الأمر كان طي النسيان، حتى بات الأمر واقعاً على المدارس، فالاستحصال على براءة الذمة سيوقع المدارس في أمرين:
الأول: انفضاح التهرب الضريبي والغش الضريبي أو التجنب الضريبي، بحيث تلجأ العديد من المؤسسات إلى إخفاء القيمة الحقيقية لمداخيلها وأرباحها وبالتالي تُقدِّم موازنات غير حقيقية إلى وزارة التربية والتعليم العالي، وهو ما صرح به مصدر مطلع في وزارة المالية لـ LebanonOn والذي أكد أن غالبية المدارس لا تصرِّح عن أرقامها المالية الحقيقية وتتعمد ذلك رغم معرفتها بأنَّ الأمر يعرضها للمساءلة والمحاسبة.
الثاني: إجبار المدارس على التعامل بمصداقية مع صندوق التقاعد الخاص للأساتذة.
يقول نقيب المعلمين السابق في المدارس الخاصة نعمة محفوظ في حديثه لـ LebanonOn إن هذا القانون سيُنصِف الأساتذة الذين يعانون من مظلومية بسبب تعمّد المئات من المدارس الخاصة هدر حقوقهم، ويعتبر أن صدور القانون المتعلِّق ببراءة الذمة جاء بعد نضال طويل.
وكشف محفوظ عن تجاوزات خطيرة كانت تقوم بها هذه المدارس، ففي الأصل يفرض القانون على المدارس أن تقتطع 6% من رواتب الأساتذة و 6% منها لتغذية صندوق التقاعد، لكن المئات من المدارس كانت تقوم باقتطاع الـ 6% من الأساتذة ولا تقدمها إلى صندوق التقاعد وبالتالي فإن هناك آلاف الرواتب التقاعدية اليوم تتراوح قيمتها مع انهيار سعر الصرف ما بين 10 إلى 30 $ فقط!، وهو ما سيؤدي حتماً إذا ما استمر الأمر إلى نزف الأساتذة وهجرتهم وبالتالي ضرب المنظومة التعليمية في لبنان بشكل كامل.
فضيحة أُخرى كشفها محفوظ لـ LebanonOn عن التلاعب الذي تقوم به المدارس المخالفة، حيث يفرض القانون عليها أن تكون 65% من موازنتها لصالح الأساتذة مقابل 35% لها، لكن هذه المدارس لا تعطي الأساتذة أكثر من 20% إلى 25%، عبر التلاعب بالموازنات من جهة أو عدم تقديمها صحيحة من جهة أُخرى، ليس هذا فحسب، بل، إن غالبية المدارس بحسب محفوظ لم تطبق القانون الذي صدر في العام 2017 (سلسلة الرتب والرواتب) الذي قضى بإعطاء أساتذة التعليم الخاص 6 درجات.
ولفت محفوظ في حديثه لـ LebanonOn إلى أن المدارس المُخالفة لا تكتفي بهذه المخالفات بل إن الصراع اليوم مفتوح بين الأساتذة والإدارات، فالأساتذة يطالبون المدارس مع تقاضيها الأقساط بالدولار أن تدفع بالدولار الـ 6% (قبل القانون الجديد الذي نصَّ على الـ 8%) لصندوق التقاعد، وتتذرَّع الإدارات بأن لا قانون يفرض عليها أن تقوم بالدفع بالدولار، علماً أنها تتقاضى الأقساط بالدولار في ظل غياب القانون أيضاً، وهنا الاستنسابية فكيف تقبل هذه المدارس أن تتقاضى الأقساط بالدولار رغم غياب قانون ينص على ذلك فيما تتمنَّع عن دفع المحسومات التقاعدية لأساتذتها بالدولار متذرعة بغياب قانون ينص على ذلك؟!
أمرٌ من المؤكد سيفتح شهية الأهالي بغية الوقوف بوجه الأقساط التي تُرهِق كاهلهم بالدولار الأميركي، فاتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان، قال إنه رأى بعين من الطمأنينة اتخاذ مجلس النواب اللبناني منحاً نحو فرض الشفافية المالية على المدارس الخاصة، عبر ما سنَّه من تشريع يعدل بعض قوانين تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، وبتنظيم الموازنة المدرسية، ويفرض لأول مرة رقابة مالية لاحقة على حسابات المدارس، وذلك بفرض الحصول على براءة ذمة، وأمل بفرض إدخال جميع نفقات وإيرادت المدارس بأية عملة كانت ضمن الموازنة المدرسية الخاضعة لرقابة لجان الأهل وأجهزة وزارة التربية والتعليم العالي، وتوجه الاتحاد إلى كل من يصرح بأنه لا قانون يجيز الدفع بالدولار الاميركي بالقول إن لا قانون يعطي أي حق للمدارس بفرض أي مبلغ إلزامي على التلامذة من خارج الموازنة المدرسية فبأي حق تستوفي المدارس مبالغ طائلة من الأهالي بالدولار؟، وأكد الاتحاد وقوفه إلى جانب أفراد الهيئات التعليمية ونقابة المعلمين، وضرورة إدخال قواعد المحاسبة العمومية والرقابة المالية إلى القوانين ولا سيما القانون ١٩٩٦/٥١٥ المتعلق بتنظيم الموازنة المدرسية، وشدَّد على أن أي مبلغ يفرض على الأهالي لقاء خدمة التعليم بأية عملة كانت، هو قسط مدرسي يجب أن يدرج ضمن الموازنة المدرسية، ويحظى بموافقة لجان الأهل، كما تنص القوانين المرعية الإجراء.
في المحصِّلة، لطالما دعت إدارات المدارس الخاصة المخالفة الأساتذة، لعدم الإضراب لتحصيل حقوقهم، بذريعة عدم ترك الطلاب فريسة للشوارع، لكن اليوم تقوم هذه المدارس بفتح النار على طلابها، عبر إعلان الإضراب عندما وصل الأمر لانكشاف مستورٍ، لطالما عملوا على إخفائه دون الالتفات إلى حقوق الاساتذة وأولياء الأمور والطلاب على حدٍ سواء، وتبقى العبرة بتطبيق القانون والتشدُّد بمعاقبة المخالفين صوناً للتربية والتعليم في لبنان.