عزت ابو علي – LebanonOn
في الرابع والعشرين من شباط في العام 2022 شنَّت روسيا حرباً مفتوحة على أوكرانيا.
بدأت روسيا بحصد الإنجاز العسكري تلو الآخر حتى وصلت قواتها إلى مشارف العاصمة الأوكرانية كييف.
كل الأحلام الروسية بسحق أوكرانيا تبدَّدت حين أعلنت الولايات المتحدة الأميركية وغالبية الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو" فتح مخازن السلاح والذخائر لأوكرانيا.
بعد استحصالها على دعمٍ غربي لا محدود أطلق الجيش الأوكراني مدعوماً بمقاتلين غربيين انضموا إلى صفوفه هجوماً معاكساً ضد القوات الروسية، حيث أبعد الأوكرانيون الخطر عن عاصمتهم كييف وحرروا العديد من أراضيهم من سطوة الجيش الروسي الذي تكبَّد جراء الدعم اللامحدود لأوكرانيا خسائر فادحة في الأرواح حيث تدعي كييف قتل وجرح أكثر من 300 ألف روسي، بالإضافة إلى تدمير ترسانات من المعدات العسكرية لموسكو، وهذا الأمر ظهر إلى العلن مع محاولة الانقلاب التي قامت بها منظمة فاغنر إحدى أهم الأذرع الروسية ضد النظام في موسكو احتجاجاً على ما لحق بعناصرها حين اتهمت فاغنر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بالتقصير.
كان كل شيء يسير عكس ما اشتهاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أن حصل ما صدم العالم.
صبيحة السابع من تشرين الأول الماضي هاجمت حركة حماس كل مناطق غلاف غزة فعادت بمئات الأسرى من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين، واندلعت حرب ضروس بين غزة وإسرائيل، دخلت شهرها الثالث.
أجبرت الحرب الغرب الداعم لأوكرانيا على تحويل أنظاره نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة فإسرائيل تلقت ضربة وصفتها بالأقسى في تاريخها ودفعتها لإعلان حالة الحرب، ليس هذا فحسب، بل، اعترف كيان الاحتلال بأنه تحت التهديد الوجودي.
هنا نسيَ العالم أوكرانيا ووجد بوتين في الأمر فرصة للضغط باتجاه الخروج من وُحُولِهَا، فكان استقبال قادة حماس في موسكو فضلاً عن تعاطف الإعلام والشعب الروسي مع القضية الفلسطينية.
يقول الكاتب والباحث العميد الركن المتقاعد خالد حماد لـ LebanonOn إن الولايات المتحدة الأميركية باتت تدرك أن الأمور في غزة لن تسير بالاتجاه الذي تريده فلا هي قادرة على تحديد توقيت نهاية الحرب، ولا معايير الانتصار بالنسبة لإسرائيل التي رفعت سقوف الأهداف، فبعد 68 يوماً على الحرب لم تحقق إسرائيل إلَّا الدمار فقط، فشلت بتحرير الأسرى ومن المستحيل أن يكون باستطاعتها القضاء على حركة حماس، وبالتالي فإن القلق الأميركي لن يقف عند هذا الحد، حيث تتخذ هواجس واشنطن أبعاداً إضافية مع الزيارة الطارئة والخارجة عن السياق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وأكد العميد حمادة في حديثه لـ LebanonOn أن زيارة بوتين استوفت كل عوامل القلق الغربي، فبوتين توقف أولاً في دولة الإمارات العربية المتحدة ثم توجَّه إلى المملكة العربية السعودية، وقال إن الحرب بين إسرائيل وحماس ستحتل حيزاً بارزاً في مناقشاته.
ولفت العميد حمادة إلى أن الصراع في غزة لعب دوراً في تحقيق أهداف بوتين الجيوسياسية من خلال صرف انتباه القادة الغربيين عن الحرب في أوكرانيا وإعطاء الفرصة للكرملين لجذب تعاطف الشعوب في العديد من البلدان النامية حيث ينتشر الدعم للقضية الفلسطينية على نطاق واسع، وبهذا يصبح من البديهي الاستنتاج أن زيارة دولتين وازنتين في الخليج العربي وهي الأولى للرئيس الروسي إلى المنطقة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، تتجاوز بكثير ما أعلن عنه في البيان المشترك حول تعزيز التعاون في مجالات البترول والغاز، والتزام جميع الدول المشاركة باتفاقية أوبك+ بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين لتعزيز استقرار أسواق البترول العالمية، أو في الجوانب العلمية والاقتصادية الأخرى.
ورأى العميد حمادة أن هذه الزيارة التي تزامنت مع تأجيل زيارة مبرمجة في 3 كانون الأول لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى بريطانيا بناء على دعوة رئيس الوزراء ريشي سوناك، طرحت جملة من ردود الفعل تراوحت بين اعتبارها محاولة روسية للالتفاف على حلفاء المملكة الغربيين، فيما اعتبر البعض الآخر أن ما جرى يؤشر إلى تراجع لنفوذ بريطانيا على المسرح العالمي مما يستدعي مراجعةً لسياستها الخارجية والدفاعية لاستعادة حلفائها، وبهذا فإن القلق البريطاني يلاقي رسائل عديدة تلقتها واشنطن في مرحلة سابقة من عدد من قادة الدول العربية ومنها الخليجية حول تراجع الاهتمام الاميركي بمنطقة الشرق الأوسط.
وشدَّد العميد حمادة على أن التقاطع العربي الخليجي والروسي حول الأمن والاستقرار في فلسطين وضرورة تنفيذ القرارات الدولية وتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، يُمثِّل أكثر من استدعاء لدور روسي في التسوية المرتقبة للصراع الدائر في غزة، حيث قدَّمت ردود الفعل الدولية حيال الحملة العسكرية على غزة والموقف الأميركي الداعم لإسرائيل بالتوازي مع هدوء جبهات القتال في أوكرانيا، مساحة لروسيا لترميم سياستها الخارجية وإطلالة جديدة لسيد الكرملين على العالم.
وخَلص العميد حمادة إلى أنه لا شك أن الرئيس بوتين يتحيَّن الفرصة للإضطلاع بدورٍ يعيد روسيا إلى واجهة الحدث الشرق أوسطي بعد أن أقصته الحرب على أوكرانيا عن المسرح الدولي، وفي هذا الإطار يصبح التساؤل مشروعاً حيال استقبال بوتين للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في موسكو بُعيد زيارته للسعودية والإمارات، حيث حلَّ الموضوع الفلسطيني والدور الإيراني وربما أنشطة الأذرع الإيرانية العسكرية في البحر الأحمر والعراق وسوريا بقوة في الإجتماع.
وتوقَّف العميد حمادة في حديثه لـ LebanonOn عند الاتصال الهاتفي الطويل الذي دام 50 دقيقة بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، والذي ناقشا خلاله الوضع في غزة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والوضع الإنساني الكارثي في القطاع، وأكد أن هذا الاتصال يكتسب أهميةً كبرى إذ إنه أتى بعد زيارة بوتين الخليجية التي شكلت الجزء الأهم منه، هذا وقد قابل بوتين الاستياء الإسرائيلي حيال المواقف الدبلوماسية الروسية في مجلس الأمن بالتأكيد على استعداد روسيا للمساهمة في خفض التصعيد في غزة وفق ما جاء في بيان الكرملين.
وأكد العميد حمادة حديثه لـ LebanonOn بأن التعثر الميداني في غزة والإحجام الإسرائيلي والأميركي عن المبادرة الى طرح سياسي واضح لإنهاء الحرب في غزة يُقدِّم ظروفاً أكثر من ملائمة لروسيا للتدخل كوسيط متجرد في العملية السياسية المتعثّرة لا سيما مع مطالبة إسرائيل بمهلة شهرين إضافيين لحسم الموقف، وهذا ما سيرتب تبعات سياسية كبيرة على الولايات المتحدة الأميركية على المستويين الإقليمي والدولي، وقد يكون في زيارة بوتين لكل من السعودية والإمارات أكثر من إشارة إلى توسيع دائرة الاعتراض الدولي على السياسة الأميركية وإفساح المجال نحو خيارات أخرى.
وختم العميد حمادة حديثه بالقول "ربما هناك الكثير مما يمكن لبوتين أن يضيفه إلى الوضع في غزة بالرغم من الدور المهيمن الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية وبالرغم من الضغوط التي تمارسها القوى الغربية لعزل روسيا، وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة أن غزة لا تمثِّل المدخل الوحيد لروسيا الى الحرب الدائرة وإلى إمكانية الحد من توسُّع هذه الحرب لتشمل جبهات جديدة، فالجبهة السورية تشكل جزءاً من الجبهة الشمالية مع فلسطين المحتلة وهي تمثِّل عامل قلق لإسرائيل التي تدرك أن استقرار هذه الجبهة وعدم السماح للأذرع الإيرانية بإطلاق الصواريخ عبرها هو شأن روسي بإمتياز، وربما يقدِّم الحظر الذي تمارسه طهران عبر قوات الحوثي على كل السفن المتوجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر عاملاً إضافياً ومرجحاً لدور روسي مستجد في المنطقة.
في المحصلة يبدو أن غزة ستشكل طوق نجاة لبوتين، فنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مهمة صعبة في واشنطن للحصول على الدعم العسكري في حربه، بعد أن تحوَّل الجسر الجوي نحو إسرائيل، فيما تكشف الوقائع والمستجدات أن الحل في غزة لن يكون بمعزل عن موسكو التي ستعود إلى الساحة الدولية رغم أنف من أبعدها، فروسيا نجحت بجنيَ ثمار صبرها الطويل في أوكرانيا، ودفعت علاقاتها الثابتة مع الدول العربية إلى قبولها كوسيط في أية عملية حلٍ في المنطقة.